المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قُل لَّوۡ أَنَّ عِندِي مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۗ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (58)

وقوله تعالى : { قل لو أن عندي } الآية ، المعنى لو كان عندي الآيات المقترحة أو العذاب على التأويل الآخر لقضي الأمر أي لوقع الانفصال ، وتم التنازع لظهور الآية المقترحة أو لنزل العذاب بحسب التأويلين ، وحكى الزهراوي : أن المعنى لقامت القيامة ، ورواه النقاش عن عكرمة ، وقال بعض الناس : معنى { لقضي الأمر } أي لذبح الموت{[4939]} .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا قول ضعيف جداً لأن قائله سمع هذا المعنى في قوله تعالى : { وأنذرههم يوم الحسرة إذ قضي الأمر }{[4940]} وذبح الموت هنا لائق فنقله إلى هذا الموضع دون شبه ، وأسند الطبري هذا القول إلى ابن جريج غير مقيد بهذه السورة ، والظن بابن جريج أنه إنما فسر الذي في يوم الحسرة { والله أعلم بالظالمين } يتضمن الوعيد والتهديد .


[4939]:- في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يُجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح- هو الذي بياضه أكثر من سواده، وقيل: النقي البياض- فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يأهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: ثم يقال: يأهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح ثم يقال: يأهل الجنة خلود فلا موت، ويأهل النار خلود فلا موت) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون}. وقد خرجه البخاري بمعناه عن ابن عمر رضي الله عنهما، وابن ماجة من حديث أبي هريرة، والترمذي عن أبي سعيد برفعه، وقال فيه: حديث حسن صحيح.
[4940]:- من الآية (39) من سورة (مريم).