وقوله : { إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فاعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بيان لحكم هؤلاء المحاربين إذا ما تابوا قبل القدرة عليهم .
أي نفذوا - أيها المسلمون - هذه العقوبات على هؤلاء المحاربين لأولياء الله وأولياء رسوله ، والساعين في الأرض بالفساد ما داموا مستمرين في غيهم وعدوانهم { إِلاَّ الذين تَابُواْ } منهم { مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } أي : من قبل أن تتمكنوا من أخذهم ، بأن أتوكم طائعين نادمين ، { فاعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي واسع المغفرة والرحمة بعباده .
هذا وهناك مسائل تتعلق بهاتين الآيتين من أهمها ما يأتي :
1 - احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماء في أن المحاربة في الأمصار وفي القرى وفي الصحراء على السواء ، فحيثما تحققت إخافة المسلمين ، كان الفاعلون لتلك الإِخافة محاربين الله ولرسوله ويجب إنزال العقاب بهم ، لقوله - تعالى - { وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً } وكل هذه الأماكن من الأرض . وعلى هذا الرأي سار الإِمام مالك والشافعي وأحمد وغيرهم .
ويرى الإِمام أبو حنيفة أن قطع الطريق لا يتصور في داخل المصر ، إذ يمكن الإِغاثة عند الاستغاثة ويد السلطان مبسوطة في داخل الأمصار والقرى وإنما يتصور قطع الطريق في الصحراء وخارج المدن والقرى .
والذي نراه متفقا مع الآية الكريمة أنه حيثما تحقق الوصف - وهو محاربة الآمنين ؛ واستلاب أموالهم ، والاعتداء على أرواحهم - كانت الحرابة ، ولزمت العقوبة التي تردع هؤلاء المعتدين على أموال الناس وأنفسهم .
قال القرطبي : واختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة . فقال مالك : المحارب عندنا من حمل على الناس في مصر أو في برية وكابرهم على أنفسهم وأموالهم دون نائرة .
قال ابن المنذر : اختلف عن مالك في هذه المسألة فأثبت المحاربة في المصر مرة ونفي ذلك مرة . وقالت طائفة حكم ذلك في المصر أو في المنازل والطرق ، وديار أهل البادية والقرى سواء وحدودهم واحدة .
قال ابن المنذر : كذلك هو ، لأن كلا يقع عليه اسم المحاربة . والآية على العموم . وليس لأحد أن يخرج من جملة الآية قوما بغير حجة . وقالت طائفة : لا تكون المحاربة في المصر إنما تكون خارجة عن المصر .
وقال ابن العربي : والذي نختاره أن الحرابة عامة في المصر والقفر ، وإن كان بعضها أفحش من بعض . ولكن اسم الحرابة بتناولها ، ومعنى الحرابة موجود فيها . ولو خرج بعض من في المصر لقتل بالسيف . ويؤخذ فيه بأشد ذلك لا بأيسره . فإنه سلب وغيلة ، وفعل الغيلة أقبح من فعل الظاهرة ولذلك دخل العفو في قتل المجاهرة فكان قصاصا ، ولم يدخل في قتل الغيلة وكان حدا .
2 - اختلف الفقهاء في معنى التخيير في قوله - تعالى - { أَن يقتلوا أَوْ يصلبوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض } .
فقال قوم من السلف : الآية تدل على التخيير بين هذه الأجزية : فمتى خرجح المحاربون بقطع الطريق ، وقدر الإِمام عليهم ، فهو مخير بين أن يوقع بهم أي نوع من العقاب من هذه الأنواع الأربعة : القتل أو الصلب أو التقطيع أو النفي ، حتى ولو لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا ، ما داموا قد اجتمعوا وقصدوا تهديد أمن الناس . فالمسألة متروكة لتقدير الحاكم ، وعليه أن يوقع بهم ما يراه مناسباً لزجرهم وردعهم وجعلهم عبرة لغيرهم حتى لا يستشرى الشر في الأمة .
قال ابن كثير : قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس فيمن شره السلاح في قبة الإِسلام . وأخاف السبيل ثم ظفر به الإِمام وقدر عليه ، فإمام المسلمين فيه بالخيار : إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله ، وكذا قال : سعيد بن المسيب ومجاهد ، وعطاء ، والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك كما رواه ابن جرير عن أنس - وهو مذهب المالكية .
ومستند هذا القول أن ظاهر ( أو ) للتخيير كما في نظائر ذلك من القرآن ، كما في قوله - تعالى - في كفارة الفدية : { مَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } فأو هنا للتخيير ، وكذلك في الآية التي معنا .
وقال قوم آخرون من السلف : الآية تدل على ترتيب الأحكام وتوزيعها على ما يليق بها من الجنايات . أي : أن ( أو ) لتنويع العقوبات على حسب طبيعة الجرائم . فإذا قتل هؤلاء المحاربون غيرهم وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا فقط قتلوا ، وإذا أخذوا المال فحسب قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف . وإذا تجمعوا واتفقوا على ارتكاب الجرائم من غير أن يرتكبوا بالفعل نفوا من الأرض .
وبهذا الرأي قال ابن عباس وقتادة والأوزاعي ، وهو مذهب الشافعية والأحناف والحنابلة .
قال ابن كثير : وقال الجمهور : هذه الآية منزلة على أحوال ، فعن ابن عباس أنه قال في قطاع الطريق : إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض .
ثم قال ابن كثير : ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير في تفسيره أن عبد الله بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية ، فكتب إليه يخبره أنها نزلت في أولئك النفر العرنيين الذين ارتدوا عن الإِسلام وقتلوا الراعي ، واستاقوا الإِبل وخافوا السبيل . . قال أنس : فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عن القضاء فيمن حارب ، فقال جبريل : من سرق مالا وأخاف السبيل فاقطع يده بسرقته ورجله بإخافته ومن قتل فاقتله . ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه .
وقال الفخر الرازي : والذي يدل على ضعف القول الأول وجهان :
الأول : أنه لو كان المراد من الآية التخيير لوجب أن يمكن الإِمام من الاقتصار على النفي ، ولما أجمعوا على أنه ليس له ذلك علمنا أنه ليس المراد من الآية التخيير .
الثاني : أن هذا المحارب إذا لم يقتل ولم يأخذ المال فقدهمّ بالمعصية ولم يفعل ، وذلك لا يوجب القتل كالعزم على سائر المعاصي فثبت أنه لا يجوز حمل الآية على التخيير ، فيجب أن يضمر في كل فعل على حدة فعلا على حدة ، فصار التقدير : أن يقتلوا إن قتلوا ، أو يصلبوا إن جمعوا بين أخذ المال والقتل أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن اقتصروا على أخذ المال . أو ينفوا من الأرض إن أخافوا السبيل .
والخلاصة أن أصحاب هذا الرأي الثاني يستدلون بأدلة نقلية - سبق بيانها - كما يستدلون بأدلة عقلية منها ما ذكر الإِمام الرازي ومنها أن العقل يقضي أن يكون الجزاء مناسبا للجناية بحيث يزداد بازديادها ، وينقص بنقصها ، وليس من المعقول أن تكون جريمة الاتفاق على الإِرهاب بدون تنفيذ ، متساوية مع جريمة الإِرهاب والقتل والسلب . إذاَ فالعدالة توجب تنويع العقوبة .
ومنها أن التخيير الوارد في الأحكام المختلفة بحرف التخيير إنما يجري على ظاهره إذا كان سبب الوجوب واحداً كما في كفارة اليمين وكفارة الفدية ، أما إذا كان السبب مختلفا فإنه يخرج التخيير عن ظاهره - كما هنا - ، ويكون الغرض بيان الحكم لكل واحد في نفسه ، وذلك لأن قطع الطريق متنوع وبين أنواعه تتفاوت الجريمة : فقد يكون باستلاب المال فقط ، وقد يكون بالقتل فقط ، وقد يكون بهما وما دام الأمر كذلك وجب أن يكون العقاب مختلفاً ووجب أن يحمل ظاهر النص على غير التخيير . بأن يحمل على بيان الحكم لكل نوع .
قالوا : ونظير ذلك قوله - تعالى - { قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } فإنه ليس الغر التخيير وإنما الغرض : ليكن شأنك مع قومك تعذيب من جحد وظلم ، والإِحسان إلى من آمن وعمل صالحا .
وإنما قلنا : ليس الغرض التخيير ، لأنه لا يمكن أن يكون له الحق في أي الأمرين من غير مرجح لأحدهما في الاعتبار ، إذ منطق العدالة يقتضي أن يكون العذاب لمن فسق وجحد ، وأن يكون الإِحسان لمن آمن واستقام .
قال بعض العلماء : " وإن الفقه في التفرقة بين الرأيين أن الرأي الثاني يحدد جرائم معينة ، ويعتبرها موضوع قطع بفعلها أو بالشروع فيها وهي القتل والسرقة . وأن الجرائم لا تخلو عن ذلك ، ولذلك كانت العقوبات مترددة بين القطع والقتل ، وأنه يكون ثمة تغليظ إذا ارتكبت الجريمتان معا .
وإن كان الشروع بالتجمع واتخاذ الأسباب ، فإن العقوبة تكون بمنع الجريمة من الوقوع باتخاذ أسباب الوقاية بالنفي من الأرض ، ولذلك كان التنويع ، وكان تخريج حرف ( أو ) على ذلك الأساس ، ليكون التكافؤ سبين الجريمة والعقوبة ، وإن لم تكن جريمة كانت الوقاية .
أما الرأي الأول فهو يتجه إلى أن عقوبة الحرابة لذات الحرابة لذات الحرابة والسعي في الأرض بالفساد ، ومنع الناس من السير والاستمتاع بأموالهم وحرياتهم الشخصية . وظاهر هذا الرأي أنه لا ينظر إلا إلى ذات الحرابة التي هي التخويف والإرهاب ، ولا ينظر إلى الجرائم التي ارتكبوها فعلا ، ولذلك يعمم الجرائم ولا يقصرها على القتل والسرقة كالرأي الثاني .
ويرى أن العقوبات في جملتها هي لعلاج ذلك الشر ، وحسم مادته ، والقضاء على التفكير لمن يهم بمحاكاة من وقعوا فيه ، ولذلك يجب إطلاق يدولي الأمر واعتبار تلك العقوبات في ديه كالدواء بين يدي الطبيب ، يختار من أصنافه ما يراه أنجح في علاج الآفة التي أصابت الجسم الاجتماعي .
وإنا نرى الرأي الثاني بالنسبة لتنويع العقاب ، ونرى الرأي الأول بالنسبة لتعميم الجرائم التي تفسد المجتمع . فإذا كانت عصابة تعمل لجمع الرجال على النساء وتخطف النساء لذلك الغرض ، أو كانت عصابة لتجميع المواد المخدرة المحرم دينا وقانونا تناولها ، فإنهم يكونون كقطاع الطريق ، ويدخلون في باب الحرابة .
3 - تدل الآية بظاهرها على أن المحاربين يعاقبون في الدنيا والآخرة ، ولا يكون العقاب الدنيوي ظهرة لهم ولو كانوا مسلمين لقوله - تعالى { ذلك لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدنيا وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ } .
قال القرطبي : فقوله : { ذلك لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدنيا } لشناعة المحاربة ، وعظم ضررها وإنما كانت المحاربة عظيمة الضرر ، لأن فيها سد سبيل الكسب على الناس . لأنه إذا أخيف الطيرق انقطع الناس عن السفر ، واحتاجوا إلى لزوم البيوت ، فانسد باب التجارة عليهم ، وانقطعت أكسابهم ، فشرع الله على قطاع الطريق الحدود المغلظة ، وذلك الخزي في الدنيا ردعا لهم عن سوء فعلهم ، وفتحا لباب التجارة التي أباحها الله لعباده . وتكون هذه المعصية خارجة عن المعاصي ومستثناه من حديث عبادة بن الصامت في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " فمن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له " .
ويحتمل أن يكون الخزي لمن عوقب ، وعذاب الآخرة لمن سلم في الدنيا ، ويجزي هذا الذنب مجرى غيره . ولا خلود لمؤمن في النار على ما تقدم ، ولكن يعظم عقابه لعظم ذنبه ، ثم يخرج إما بالشفاعة وإما بالقبضة وهذا الوعيد كغيره مقيد بالمشيئة ، وله - تعالى - أن يغفر هذا الذنب .
4 - دل قوله - تعالى - : { إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } على أن توبة المحاربين قبل الظفر بهم ، تسقط عنهم حد المحاربين المذكور في الآية ، إلا أن كثيرا من الفقهاء قالوا إن الذي يسقط عنهم هو ما يتعلق بحقوق الله ، أما ما يتعلق بحقوق العباد فلا يسقط عنهم بالتوبة قبل القدرة عليهم .
قال القرطبي : قوله - تعالى - : { إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } : استثنى - جل شأنه - التائبين قبل أن يقدر عليهم ، وأخبر بسقوط حقه عنهم بقوله : { فاعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . أما القصاص وحقوق الآدميين فلا تسقط ، وظاهر الآية أن من تاب بعد القدرة عليه فتوبته لا تنفع ، وتقام الحدود عليه كما تقدم .
وقال الآلوسي : قوله { إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } استثناء مخصوص بما هو من حقوق الله - تعالى - كما ينبئ عنه قوله { فاعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وأما ما هو من حقوق العباد - كحقوق الأولياء من القصاص ونحوه - فيسقط بالتوبة وجوبه على الإِمام من حيث كونه حدا ، ولا يسقط جوازه بالنظر إلى الأولياء من حيث كونه قصاصا ؛ فإنهم إن شاءوا عفوا ، وإن أحبوا استوفوا .
ويرى ابن جرير وابن كثير أن توبة المحاربين قبل القدرة عليهم تسقط عنهم جميع الحدود .
فقد قال ابن جرير - بعد أن ساق الأقوال في ذلك - : " وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي ، قول من قال : توبة المحارب الممتنع بنفسه ، أو بجماعة معه ، قبل القدرة عليه ، تضع عنه تبعات الدنيا التي كانت لزمته أيام حربه وحرابته ، ومن حدود الله ، وغرم لازم ، وقود وقصاص ، إلا ما كان قائما في يده من أموال المسلمين والمعاهدين فيرد على أهله " .
وقال ابن كثير : وقوله - تعالى - { إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } أما على قول من قال إنها في أهل الشرك ، فظاهر . - أي : فإنهم إذا آمنوا قبل القدرة عليهم سقطت عنهم جميع الحدود المذكورة - وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنهم تحت القتل والصلب وقطع الرجل .
وهل يسقط قطع اليد ؟ فيه قولان للعلماء . وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع ، وعليه عمل الصحابة .
ثم ساق آثارا في هذا المعنى منها : ما رواه ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : كان جارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة - وكان قد أفسد في الأرض وحارب - فكلم رجالا من قريش فكلموا عليا فيه فلم يؤمنه . فأتى سعيد بن قيس الهمداني فخلفه في داره ثم أتى عليا فقال : يا أمير المؤمنين : أرأيت من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ، فقرأ حتى بلغ { إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } فقال على : اكتب له أمانا . .
وبعد ، فهذه بعض الأحكام التي تتعلق بقطاع الطريق الذي سماهم الله - تعالى - محاربين لله ولرسوله ، وسمى الفقهاء عملهم حرابة .
وقد رأينا أن الله - تعالى - قد عاقبتهم بتلك العقوبات الرادعة في الدنيا . وأعد لهم العذاب العظيم من الآخرة ، ما داموا مستمرين في عداوتهم وتهديدهم لأمن الناس ، واستلابهم لأموالهم .
وإن المقصد من هذه العقوبات الشديدة ، أن يكف المعتدون عن عدوانهم ، وأن يحس الناس في حياتهم بالأمان والاطمئنان على أنفسهم وأموالهم وأغراضهم ، فإن الأمة التي ترتكب فيها الجرائم بدون خوف أو رجل ، ويفتقد أبناؤها الأمان والاطمئنان ، هذه الأمة التي هذا شأنها ، لابد أن تضطرب كلمتها ، ويهون أمرها ، وتنتزع الثقة بين الحاكمين والمحكومين فيها ، لذا فقد أوجب الإِسلام على أتباعه أن يتكاتفوا ويتعاونوا للقضاء على كل من يحاول إثارة الفتن والاضطراب بين صفوفهم ، حتى يعيشوا آمنين مطمئنين ، مؤدين لما يجب عليهم نحو دينهم ودنياهم بدون خوف أو إزعاج .
وقد قال القرطبي في هذا المعنى : " وإذا أخاف المحاربون السبيل ، وقطعو الطريق ، وجب على الإِمام قتالهم من غير أن يدعوهم ، ووجب على المسلمين التعاون على قتالهم وكفهم عن أذى المسلمين ، فإن انهزموا لم يتبع منهم مدبراً إلا أن يكون قد قتل وأخذ مالا ، فإن كان كذلك أتبع ليؤخذ ويقام عليه ما وجب لجنايته
{ إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } استثناء مخصوص بما هو حق الله سبحانه وتعالى ويدل عليه قوله تعالى : { فاعلموا أن الله غفور رحيم } أما القتل قصاصا فإلى الأولياء يسقط بالتوبة وجوبه لا جوازه ، وتقييد التوبة بالتقدم على القدرة يدل على أنها بعد القدرة لا تسقط الحد وإن أسقطت العذاب ، وأن الآية في قطاع المسلمين لأن توبة المشرك تدرأ عنه العقوبة قبل القدرة وبعدها .
الاستثناء بقوله : { إلاّ الذين تابوا } راجع إلى الحُكمين خزي الدّنيا وعذاب الآخرة ، بقرينة قوله : { مِن قبل أن تقدروا عليهم } ، لأنّ تأثير التّوبة في النجاة من عذاب الآخرة لا يتقيّد بما قبل القدرة عليهم . وقد دلّت أداة الاستثناء على سقوط العقوبة عن المحارب في هذه الحالة ؛ فتمّ الكلام بها ، لأنّ الاستثناء كلام مستقلّ لا يحتاج إلى زيادة تصريح بانتفاء الحكم المستثنى منه عن المستثنى في استعمال العرب ، وعند جمهور العلماء . فليس المستثنى مسكوتاً عنه كما يقول الحنفية ، ولولا الاستثناء لما دلّت الآية على سقوط عقوبة المحارب المذكورة . فلو قيل : فإن تابوا ، لم تدلّ إلاّ على قبول التّوبة منهم في إسقاط عقاب الآخرة .
ومعنى { من قبلِ أن تقدروا عليهم } ما كان قبل أن يتحقّق المحارب أنّه مأخوذ أو يضيَّق عليه الحصار أو يطارد في جميع البلاد ويضيق عليه ، فإن أتى قبل ذلك كلّه طائعاً نادماً سقط عنه ما شرع الله له من العقوبة ، لأنّه قد دلّ على انتقال حاله من فساد إلى صلاح فلم تبق حكمة في عقابه . ولمّا لم تتعرّض الآية إلى غُرْم ما أتلفه بحرابته علم أنّ التّوبة لا تؤثّر في سقوط ما كان قد اعتلق به من حقوق النّاس من مال أو دم ، لأنّ ذلك معلوم بأدلّة أخرى .
وقوله : { فاعلموا أنّ الله غفور رحيم } تذكير بعد تمام الكلام ودفع لعجب من يتعجّب من سقوط العقاب عنهم . فالفاء فصيحة عمّا دلّ عليه الاستثناء من سقوط العقوبة مع عظم الجرْم ، والمعنى : إن عظم عندكم سقوط العقوبة عمّن تاب قبلَ أن يقدر عليه فاعلموا أنّ الله غفور رحيم .
وقد دلّ قوله { فاعلموا } على تنزيل المخاطبين منزلة من لا يعلم ذلك نظراً لاستعظامهم هذا العفو . وقد رأيتُ أنّ شأن فعل ( اعلم ) أن يدلّ على أهميّة الخبر ، كما سيأتي في قوله تعالى : { واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه } في سورة الأنفال ( 24 ) وقوله فيها : { واعلموا أنّما غنمتم } [ الأنفال : 41 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم استثنى، فقال عز وجل: {إلا الذين تابوا} من الشرك {من قبل أن تقدروا عليهم}، فتقيموا عليهم الحد، فلا سبيل لكم عليهم، يقول: من جاء منهم مسلما قبل أن يؤخذ، فإن الإسلام يهدم ما أصاب في كفره من قتل أو أخذ مال، فذلك قوله سبحانه: {فاعلموا أن الله غفور} لما كان منه في كفره {رحيم} به حين تاب ورجع إلى الإسلام، فأما من قتل وهو مسلم، فارتد عن الإسلام، ثم رجع مسلما، فإنه يؤخذ بالقصاص.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛
فقال بعضهم: معنى ذلك: إلاّ الذين تابوا من شركهم ومناصبتهم الحرب لله ولرسوله، والسعي في الأرض بالفساد بالإسلام، والدخول في الإيمان من قبل قدرة المؤمنين عليهم، فإنه لا سبيل للمؤمنين عليهم بشيء من العقوبات التي جعلها الله جزاء لمن حاربه ورسوله وسعى في الأرض فسادا، من قَتْل، أو صَلْب، أو قطع يد ورجل من خلاف، أو نفي من الأرض، فلا تِباعة قِبَله لأحد فيما كان أصاب في حال كفره وحربه المؤمنين في مال ولا دم ولا حرمة قالوا: فأما المسلم إذا حارب المسلمين أو المعاهدين وأتى بعض ما يجب عليه العقوبة، فلن تضع توبته عنه عقوبة ذنبه، بل توبته فيما بينه وبين الله، وعلى الإمام إقامة الحدّ الذي أوجبه الله عليه وأخذه بحقوق الناس...
وقال آخرون: بل هذه الآية معنيّ بالحكم بها المحاربون الله ورسوله الحُرّابُ من أهل الإسلام، من قطع منهم الطريق وهو مقيم على إسلامه، ثم استأمن فأومن على جناياته التي جناها وهو للمسلمين حرب. ومن فعل ذلك منهم مرتدّا عن الإسلام ثم لحق بدار الحرب، ثم استأمن فأومن قالوا: فإذا أمنه الإمام على جناياته التي سلفت لم يكن قبله لأحد تبعة في دم ولا مال أصابه قبل توبته وقبل أمان الإمام إياه...
وقال آخرون: معنى ذلك: كلّ من جاء تائبا من الحُرّاب قبل القدرة عليه، استأمن الإمام فأمنه أو لم يستأمنه بعد أن يجيء مستسلما تاركا للحرب.
وقال آخرون: بل عنى بالاستثناء في ذلك التائبَ من حربه الله ورسوله والسعي في الأرض فسادا، بعد لحاقه في حربه بدار الكفر، فأما إذا كانت حرابته وحربه وهو مقيم في دار الإسلام وداخل في غمار الأمة، فليست توبته واضعة عنه شيئا من حدود الله ولا من حقوق المسلمين والمعاهدين، بل يؤخذ بذلك... وقال آخرون: إن كانت حرابته وحربه في دار الإسلام، وهو في غير منعة من فئة يلجأ إليها، ثم جاء تائبا قبل القدرة عليه، فإن توبته لا تضع عنه شيئا من العقوبة ولا من حقوق الناس. وإن كانت حرابته وحربه في دار الإسلام أو هو لاحق بدار الكفر، غير أنه في كل ذلك كان يلجأ إلى فئة تمنعه ممن أراده من سلطان المسلمين، ثم جاء تائبا قبل القدرة عليه، فإن توبته تضع عنه كلّ ما كان من أحداثه في أيام حرابته تلك، إلاّ أن يكون أصاب حدّا أو أمر الرّفقة بما فيه عقوبة أو غُرْم لمسلم أو معاهد، وهو غير ملتجئ إلى فئة تمنعه، فإنه يؤخذ بما أصاب من ذلك وهو كذلك، ولا يضع ذلك عنه توبته...
وقال آخرون: تضع توبته عنه حدّ الله الذي وجب عليه بمحاربته، ولا يسقط عنه حقوق بني آدم. وممن قال ذلك الشافعي.
وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: توبة المحارب الممتنع بنفسه أو بجماعة معه قبل القدرة عليه، تضع عنه تبعات الدنيا التي كانت لزمته في أيام حربه وحِرابته من حدود الله، وغرم لازم وقَوَد وقِصاص، إلاّ ما كان قائما في يده من أموال المسلمين والمعاهدين بعينه، فيردّ على أهله لإجماع الجميع على أن ذلك حكم الجماعة الممتنعة المحاربة لله ولرسوله الساعية في الأرض فسادا على وجه الردّة عن الإسلام، فكذلك حكم كلّ ممتنع سعى في الأرض فسادا، جماعة كانوا أو واحدا، فأما المستخفي بسرقته والمتلصص على وجه إغفال من سرقه، والشاهر السلاح في خلاء على بعض السابلة، وهو عند الطلب غير قادر على الامتناع، فإن حكم الله عليه تاب أو لم يتب ماضٍ، وبحقوق من أخذ ماله أو أصاب وليه بدم أو خَتْل مأخوذ، وتوبته فيما بينه وبين الله قياسا على إجماع الجميع على أنه لو أصاب شيئا من ذلك وهو للمسلمين سِلْم ثم صار لهم حربا، أن حربه إياهم لن يضع عنه حقا لله عزّ ذكره ولا لآدميّ، فكذلك حكمه إذا أصاب ذلك في خلاء أو باستخفاء وهو غير ممتنع من السلطان بنفسه إن أراده وذلك أن ذلك لو كان حكما في أهل الحرب من المشركين دون المسلمين ودون ذمتهم لوجب أو لا يسقط إسلامهم عنهم إذا أسلموا أو تابوا بعد قدرتنا عليهم ما كان لهم قبل إسلامهم وتوبتهم من القتل وما للمسلمين في أهل الحرب من المشركين. وفي إجماع المسلمين أن إسلام الشرك الحربي يضع عنه بعد قدرة المسلمين عليه ما كان واضعه عنه إسلامه قبل القدرة عليه، ما يدلّ على أن الصحيح من القول في ذلك قول من قال: عنى بآية المحاربين في هذا الموضع: حُرّاب أهل الإسلام أو الذمة دون من سواهم من مشركي أهل الحرب.
"فاعْلَمُوا أنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ": فاعلموا أيها المؤمنون أن الله غير مؤاخذ من تاب من أهل الحرب لله ولرسوله الساعين في الأرض فسادا وغيرهم بذنوبه، ولكنه يعفو عنه فيسترها عليه ولا يفضحه بها بالعقوبة في الدنيا والآخرة، رحيم به في عفوه عنه وتركه عقوبته عليها.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
من أقلع عن معاصيه، وارتدع عن ارتكاب مساويه، قبل أن يهتك عنه ستر السداد لا تقام عليه -في الظاهر- حدودُ الشريعة لاشتباهها على الإمام، ولا يؤاخذه الحق سبحانه بقضايا إجرامه أخذاً بظاهرِ ما يثبت من حاله مَالَه في استيجاب السداد، فإذا بدا للإمام جُرْمُه أُقيم عليه الحدُّ وإنْ تقنَّع بنقاب التقوى. وكذلك إذا سقط العبد عن عين الله لم يصل بعده إلى ما كان عليه من معاودة تقريب الحق -سبحانه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} استثنى عز وجل التائب قبل أن يقدر عليه وأخبر بسقوط حقوق الله عنه بقوله تعالى: {فاعلموا أن الله غفور رحيم} واختلف الناس في معنى الآية فقال قتادة والزهري في كتاب الأشراف: ذلك لأهل الشرك... من حيث رأيا الوعيد بعد العقاب، وهذا ضعيف، والعلماء على أن الآية في المؤمنين وأن المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه فقط سقط عنه حكم الحرابة ولا نظر للإمام فيه إلا كما ينظر في سائر المسلمين، فإن طلبه أحد بدم نظر فيه وأقاد منه إذا كان الطالب ولياً، وكذلك يتبع بما وجد عنده من مال الغير وبقيمة ما استهلك من الأموال، والصحيح من هذا كله مذهب الفقهاء الذي قررته آنفاً أن حكم الحرابة يسقط ويبقى كسائر المسلمين...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} استثنى الله تعالى من المحاربين المفسدين في الأرض – الذين حكم عليهم بأشد الجزاء في الدنيا وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة – من يتوبون منهم قبل القدرة عليهم، وتمكن أولي الأمر من عقابهم، فإن توبتهم وهم في قوتهم ومنعتهم، جديرة بأن تكون توبة نصوحا منشؤها العلم بقبح عملهم والعزم على عدم العودة إليه، لا الخوف من عقاب الدنيا. وهب أنه الخوف من عقاب الدنيا: أليسوا قد تركوا الإفساد ومحاربة شرع الله ورسوله، وصاروا كسائر الناس؟ بلى! وإذاً لا يجمع لهم بين أشد عقاب الشرع في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة. لذلك بين الله تعالى أنهم يصيرون بهذه التوبة أهلا لمغفرته ورحمته فقال: {فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي فاعلموا أنه تعالى يغفر لهم ما سلف، ويرحمهم برفع العقاب عنهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والحكمة واضحة في إسقاط الجريمة والعقوبة في هذه الحالة عنهم من ناحيتين: الأولى: تقدير توبتهم -وهم يملكون العدوان- واعتبارها دليل صلاح واهتداء.. والثانية: تشجيعهم على التوبة، وتوفير مؤنة الجهد في قتالهم من أيسر سبيل. والمنهج الإسلامي يتعامل مع الطبيعة البشرية بكل مشاعرها ومساربها واحتمالاتها؛ والله الذي رضي للمسلمين هذا المنهج هو بارئ هذه الطبيعة، الخبير بمسالكها ودروبها، العليم بما يصلحها وما يصلح لها.. ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ومعنى {من قبلِ أن تقدروا عليهم} ما كان قبل أن يتحقّق المحارب أنّه مأخوذ أو يضيَّق عليه الحصار أو يطارد في جميع البلاد ويضيق عليه، فإن أتى قبل ذلك كلّه طائعاً نادماً سقط عنه ما شرع الله له من العقوبة، لأنّه قد دلّ على انتقال حاله من فساد إلى صلاح فلم تبق حكمة في عقابه. ولمّا لم تتعرّض الآية إلى غُرْم ما أتلفه بحرابته علم أنّ التّوبة لا تؤثّر في سقوط ما كان قد اعتلق به من حقوق النّاس من مال أو دم، لأنّ ذلك معلوم بأدلّة أخرى. وقوله: {فاعلموا أنّ الله غفور رحيم} تذكير بعد تمام الكلام ودفع لعجب من يتعجّب من سقوط العقاب عنهم. فالفاء فصيحة عمّا دلّ عليه الاستثناء من سقوط العقوبة مع عظم الجرْم، والمعنى: إن عظم عندكم سقوط العقوبة عمّن تاب قبلَ أن يقدر عليه فاعلموا أنّ الله غفور رحيم. وقد دلّ قوله {فاعلموا} على تنزيل المخاطبين منزلة من لا يعلم ذلك نظراً لاستعظامهم هذا العفو. وقد رأيتُ أنّ شأن فعل (اعلم) أن يدلّ على أهميّة الخبر.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ويستدل من هذه الجملة القرآنية على أن العقوبات الإِسلامية الدنيوية التي تنفذ في المجرمين لن تكون حائلا دون نيلهم لعقاب الآخرة، ولكن طريق العودة والتوبة لا يغلق حتى بوجه مجرمين خطيرين كالذين ذكرتهم الآية إِن هم عادوا إلى رشدهم وبادروا إلى إِصلاح أنفسهم، ولكي يبقى مجال التعويض عن الأخطاء مفتوحاً تقول الآية الثانية: (إِلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنّ الله غفور رحيم). والذي يظهر من هذه الآية هو أنّ العقاب والحدّ الشرعي يرفعان عن أولئك المجرمين في حالة انصرافهم طوعاً عن ارتكاب الجريمة وندمهم قبل أن يلقى القبض عليهم فقط. وبديهي أنّ توبة هؤلاء لا تسقط العقاب عنهم إِن كانوا قد ارتكبوا جريمة قتل أو سرقة، إِلاّ في حالة ارتكاب جريمة التهديد بالسلاح فإن العقوبة تسقط إن هم تابوا وندموا قبل إِلقاء القبض عليهم. وبعبارة أُخرى فإِنّ التوبة في مثل هذه الجرائم لها تأثير في ما يخص الله فقط، أمّا حق الناس فلا يسقط بالتوبة ما لم يرض صاحب الحق. وهكذا فإِنّ عقاب المحارب يكون أشدّ وأقسى من عقاب السارق أو القاتل العادي، فهو إِن تاب نجا من العقوبة التي تشمله لكونه محارباً، لكنه لا يتخلص من عقوبة السرقة والقتل العاديين. وقد يطرأ هنا سؤال وهو كيف يمكن إِثبات التوبة مادامت هي عملية قلبية باطنية؟ والجواب هو: أن طرق إِثبات التوبة في هذا المجال كثيرة وافرة، وأحدها: أن يشهد عدلان على أنّهما سمعا توبة المجرم في مكان ما، وأنّه تاب دون أن يرغمه أحد على التوبة، والآخر: أنّ يغير المجرم أسلوب حياته بشكل تظهر عليه آثار التوبة بجلاء.