التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

لقد تابعت السورة الكريمة حديثها عن هذه القصة ، فبينت بعد ذلك قضاء الله العادل فى هؤلاء الظالمين ، حيث حكت لنا ما أوحاه الله إلى نوح - عليه السلام - فى شأنهم ، وما أمره بصنعه . . . فقال - تعالى - :

{ وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ . . . } .

قوله - سبحانه - : { وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } على قوله { قَالُواْ يانوح قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا . . } أى : بعد أن لج قوم من نوح فى طغيانهم ، وصموا آذانهم عن سماع دعوته . . أوحى الله - تعالى - إلى نوح بأن يكتفى بمن معه من المؤمنين ، فإنه لم يبق فى قومه من يتوقع إيمانه بعد الآن ، وبعد أن مكث زمنا طويلا يدعوهم إلى الدخول فى الدين الحق ، فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارا . .

وقوله : { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } تسلية له - عليه السلام - عما أصابه منهم من أذى .

والابتئاس : الحزن . يقال : ابتأس فلان بالأمر ، إذا بلغه ما يكرهه ويغمه ، والمبتئس : الكاره الحزين فى استكانة .

أى : فلا تحزن بسبب إصرارهم على كفرهم ، وتماديهم فى سفاهاتهم وطغيانهم ، فقد أن الأوان للانتقام منهم .

قال الإِمام ابن كثير : يخبر الله - تعالى - فى هذه الآية ، أنه أوحى إلى نوح لما استعجل قومه نقمة الله بهم ، وعذابه لهم ، فدعا عليهم نوح دعوته وهى { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً } فمنذ ذلك أوحى الله - تعالى - إليه { أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } فلا تحزن عليهم ، ولا يهمنك أمرهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

{ وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس } فلا تحزن ولا تتأسف . { بما كانوا يفعلون } أقنطه الله تعالى من إيمانهم ونهاه أن يغتم بما فعلوه من التكذيب والإيذاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

قرأ أبو البرهسم{[6321]} : «وأَوحى » بفتح الهمزة على إسناد الفعل إلى الله عز وجل ، «إنه » بكسر الهمزة ، وقيل لنوح هذا بعد أن طال عليه كفر القرن بعد القرن به ، وكان يأتيه الرجل بابنه فيقول : يا بني لا تصدق هذا الشيخ فهكذا عهده أبي وجدي كذاباً مجنوناً ؛ رواه عبيد بن عمير وغيره ، وهذه الآية هي التي أيأست نوحاً عليه السلام من قومه ، فروي أنه لما أوحي إليه ذلك دعا فقال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً }{[6322]} .

و { تبتئس } من البؤس تفتعل ، ومعناه : لا تحزن نفسك ومنه قول الشاعر - وهو لبيد بن ربيعة - : [ مجزوء الكامل ]

في مأتم كنعاج حا*** رة تبتئس بما لقينا{[6323]}

حارة : موضع .

قال القاضي أبو محمد : وفي أمر نوح عليه السلام تدافع في ظاهر الآيات والأحاديث ينبغي أن نخلص القول فيه ، وذلك أن ظاهر أمره أنه عليه السلام دعا على الكافرين عامة من جميع الأمم ولم يخص قومه دون غيرهم ، وتظاهرت الروايات وكتب التفاسير بأن الغرق نال جميع أهل الأرض وعم الماء جميعها ، قال ابن عباس وغيره ، ويوجب ذلك أمر نوح بحمل الأزواج من الحيوان ، ولولا خوف إفناء أجناسها من جميع الأرض ، ما كان ذلك ، فلا يتفق لنا أن نقول إنه لم يكن في الأرض غير قوم نوح في ذلك الوقت ، لأنه يجب أن يكون نوح بعث إلى جميع الناس ، وقد صح أن هذه الفضيلة خاصة لمحمد صلى الله عليه وسلم بقوله : «أوتيت خمساً لم يؤتهن أحد قبلي »{[6324]} فلا بد أن نقرر كثيراً من الأمم كان في ذلك الوقت ، وإذا كان ذلك ، فكيف استحقوا العقوبة في جمعهم ونوح لم يبعث إلى كلهم ؟ وكنا نقدر هنا أن الله تعالى بعث إليهم رسلاً قبل نوح فكفروا بهم واستمر كفرهم ، لولا أنا نجد الحديث ينطق بأن نوحاً هو أول الرسل إلى أهل الأرض ؛ ولا يمكن أيضاً أن نقول : عذبوا دون رسالة ونحن نجد القرآن : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً }{[6325]} .

والتأويل المخلص من هذا كله هو أن نقول : إن نوحاً عليه السلام أول رسول بعث إلى كفار من أهل الأرض ليصلح الخلق ويبالغ في التبليغ ويحتمل المشقة من الناس - بحسب ما ثبت في الحديث - ثم نقول : إنه بعث إلى قومه خاصة بالتبليغ والدعاء والتنبيه ، وبقي أمم في الأرض لم يكلف القول لهم ، فتصح الخاصة لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم نقول : إن الأمم التي لم يبعث ليخاطبها إذا كانت بحال كفر وعبادة أوثان ، وكانت الأدلة على الله تعالى منصوبة معرضة للنظر ، وكانوا متمكنين من النظر من جهة إدراكهم ، وكان الشرع - ببعث نوح - موجوداً مستقراً .

فقد وجب عليهم النظر ، وصاروا بتركه بحال من يجب تعذيبه : فإن هذا رسول مبعوث وإن كان لم يبعث إليهم معينين ألا ترى أن لفظ الآية إنما هو { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } [ الإسراء : 15 ] ، أي حتى نوجده ، لأن بعثة الأنبياء إلى قوم مخصوصين إنما هو في معنى القتال والشدة ، وأما من جهة بذل النصيحة وقبول من آمن فالناس أجمع في ذلك سواء ؛ ونوح قد لبث ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعو إلى الله ، فغير ممكن أن لم تبلغ نبوءته للقريب والبعيد ، ويجيء تعذيب الكل بالغرق بعد بعثة رسول وهو نوح صلى الله عليه وسلم .

ولا يعارضنا مع هذه التأويلات شيء من الحديث ولا الآيات ، والله الموفق للصواب .


[6321]:- قال الصاغاني: هو عمران بن عثمان الزبيدي الشامي ذو القراءات الشواذ، هكذا في العباب، وقد أكثر عنه ابن جني في كتابه المحتسب". هكذا قال الزبيدي في تاج العروس، ثم قال: "وقرأت في حاشية الإكمال للمزّي في ترجمة شريح بن زيد المؤذن ما نصه: روى عن أبي البرهسم حُدير بن معدان بن صالح الحضرمي المقري... فلعل هذا غير ما قاله الصاغاني". (تاج العروس- برهم).
[6322]:- من الآية (26) من سورة (نوح).
[6323]:- البيت من قصيدة قالها عندما حضرته الوفاة، وهي في الديوان، ورواه اللسان، والرواية فيهما: "في ربرب" وهو القطيع من البقر الوحشية، والنعاج: جمع نعجة وهي الأنثى من الضأن أو الظباء أو البقر الوحشي، والعرب تكني بها عن المرأة، وصارة: ماء بين فيد وضرية، وخصّ نعاجه لحسنهن بما توافر لهن من مرعى وماء، والابتئاس: الحزن والغم عند الخبر المحزن، يتحدث عن نساء جميلات كنعاج البقر الوحشي وقفن في مأتمه متشحات بالسواد كما يقول في البيت الذي بعده.
[6324]:- الحديث رواه البخاري في التيمم وفي الصلاة وفي الغسل، ورواه الدارمي في السير، ولفظه كما في البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلّت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة)، وزاد في الجامع الصغير أن النسائي رواه، ورمز له الإمام السيوطي بالصحة.
[6325]:- من الآية (15) من سورة (الإسراء).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

عطف على جملة { قالوا يا نوح قد جادلتنا } [ هود : 32 ] أي بعد ذلك أوحي إلى نوح عليه السّلام { أنّه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن } .

واسم ( أن ) ضمير الشأن دال على أن الجملة بعده أمرهم خطير لأنها تأييس له من إيمان بقية قومه كما دل حرف { لن } المفيد تأبيد النفي في المستقبل ، وذلك شديد عليه ولذلك عقب بتسليته بجملة { فلا تبتئس بما كانوا يفعلون } فالفاء لتفريع التسلية على الخبر المحزن .

والابتئاس افتعال من البؤس وهو الهم والحزن ، أي لا تحزن .

ومعنى الافتعال هنا التأثر بالبؤس الذي أحدثه الخبر المذكور . { بما كانوا يفعلون } هو إصرارهم على الكفر واعتراضهم عن النظر في الدعوة إلى وقت أن أوحي إليه هذا . قال الله تعالى حكاية عنه : { فلم يزدهم دعائي إلاّ فِراراً وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً } [ نوح : 6 ، 7 ] .

وتأكيد الفعل ب { قَد } في قوله : { من قَد آمن } للتنصيص على أن المراد من حصل منهم الإيمان يقيناً دون الذين ترددوا .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم ذكر نوحا، فقال: {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن} يعني إلا من صدق بتوحيد الله، {فلا تبتئس} يعني فلا تحزن، {بما كانوا يفعلون}، يعني بكفرهم بالله عز وجل.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وأَوْحَى الله إلى نوح لما حقّ على قومه القول، وأظلهم أمر الله، "أنّهُ لَنْ يُؤْمِن": يا نوح بالله فيوحده ويتبعك على ما تدعوه إليه "مِنْ قَوْمِكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَن "فصدّق بذلك واتبعك. "فَلا تَبْتَئِسْ" يقول: فلا تستِكنْ ولا تحزن بما كانوا يفعلون، فإني مهلكهم ومنقذك منهم ومَنِ اتبعك. وأوحى الله ذلك إليه بعد ما دعا عليهم نوح بالهلاك، فقال: "رَبّ لا تَذَرْ على الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا"...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال بعضهم: إن نوحا عليه السلام لم يدع على قومه بالهلاك ما دام يرجو، ويطمع من قومه الإيمان، فإذا أيس وانقطع رجاؤه فحينئذ دعا عليهم بالهلاك بقوله: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) أي أحدا (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك) الآية [النوح: 26-27] وعرف الإياس من إيمانهم بقوله: (وأوحي إلى نوح) الآية، وكذلك سائر الأنبياء والرسل لم يؤذن لهم بالدعاء على قومهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم ما داموا يرجون ويطمعون منهم الإيمان والإجابة لهم، وانقطع رجاؤهم وطمعهم عن ذلك. فعند ذلك إذن لهم بالدعاء عليهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم...

(فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) قيل: لا تحزن بما كانوا يفعلون. فهو يحتمل وجهين:

أحدهما: لا تحزن بكفرهم بالله وتكذيبهم إياك، ليس على النهي عن الحزن في ذلك، ولكن على دفع الحزن عنه والتسلي به لأن الأنبياء عليهم السلام كانوا يحزنون بكفر قومهم بالله وجعلهم أنفسهم أعداء له كقوله: (فلعلك باخع نفسك) الآية [الكهف: 6 والشعراء: 3] وقوله: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) [فاطر: 8] وأمثاله. كان الأنبياء عليهم السلام أشد الناس حزنا بكفر قومهم بالله وتكذيبهم آياته، وأشدهم رغبة في إيمانهم...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَ كَانُوا يَفْعَلُونَ}...والابتئاس: الحزن في استكانة، وأصله من البؤس...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

عرَّفه الحقُّ أنَّه غنيٌّ عن إيمانهم، فكَشَفَ له أحكامَهم، وأَنَّ مَنْ لم يؤمن منهم قد سبق الحكمُ بشقائهم، فعند ذلك دعا لعيهم نوحٌ- عليه السلام- بالإهلاك...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لَن يُؤْمِنَ} إقناط من إيمانهم، وأنه كالمحال الذي لا تعلق به للتوقع {إِلاَّ مَنْ قَدْ ءَامَنَ} إلا من قد وجد منه ما كان يتوقع من إيمانه... فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك، فقد حان وقت الانتقام لك منهم...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

... {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} أي أوحى الله تعالى إليه ما أيأسه من إيمان أحد من قومه بعد الآن غير من قد آمن من قبل منهم فهم ثابتون على إيمانهم دائمون عليه، {فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} أي فلا يشتدن عليك البؤس والحزن واحتمال المكاره بعد اليوم بما كانوا يفعلون في السنين الطوال من تكذيبهم وعنادهم وإيذائهم لك ولمن آمن لك، إن كنت تعرض له وتستهدف لسهامه رجاء في إيمانهم واهتدائهم، فأرح نفسك بعد الآن من جدالهم وسماع أقوالهم ومن إعراضهم واحتقارهم، فقد آن زمن الانتقام منهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن).. فالقلوب المستعدة للإيمان قد آمنت، أما البقية فليس فيها استعداد ولا اتجاه. هكذا أوحى الله إلى نوح، وهو أعلم بعباده، وأعلم بالممكن والممتنع، فلم يبق مجال للمضي في دعوة لا تفيد. ولا عليك مما كانوا يفعلونه من كفر وتكذيب وتحد واستهزاء...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

اسم (أن) ضمير الشأن دال على أن الجملة بعده أمرهم خطير لأنها تأييس له من إيمان بقية قومه كما دل حرف {لن} المفيد تأبيد النفي في المستقبل، وذلك شديد عليه ولذلك عقب بتسليته بجملة {فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} فالفاء لتفريع التسلية على الخبر المحزن...

وتأكيد الفعل ب {قَد} في قوله: {من قَد آمن} للتنصيص على أن المراد من حصل منهم الإيمان يقيناً دون الذين ترددوا...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

بذل أقصى جهده في التقريب والتأليف والنصيحة والإرشاد وتحمل سفه القول منهم حتى آمن من آمن، وما آمن معه إلا قليلا، ومن بعد إيمانهم أوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام أنه لن نؤمن غيرهم. {فلا تبتئس} أي لا تحزن ولا تأسف بما كان يفعل من استكبروا في الأرض من سخرية وازدراء لأهل الإيمان، وإنما أنت نذير وقد أنذرت، ولم يبق إلا أن ينزل بهم ما كانوا يستعجلون ويقولون بتحد {فأتنا بما تعدنا}، وقد اشتبه حال نوح معهم بحال محمد صلى الله عليه وسلم مع قريش قبيل الهجرة، إذ لم يؤمن منهم أحد، وإن كان منهم من يلقي بالمودة من غير إيمان، ثم كانت الهجرة وكانت الحرب وأنزل الله بهم هزيمة بعد هزيمة ولم تكن إبادة كإبادة قوم نوح عليه السلام؛ لأن رسالة محمد خالدة فكان من أصلاب المشركين بالله والجاحدين لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، من يعبد الله وحده ومن يدعو إلى الله ويجاهد في سبيله كخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} من كفر وعصيان لأنَّك قد أقمت عليهم الحجة بمختلف الوسائل، ويسّرت لهم كل سبل الهداية فامتنعوا عن السير فيها، وبذلك فإنهم يتحملون مسؤولية أفعالهم كلها، فلا تتعقّد من جهتك الشخصية، لأنك لم تقصر، ولا من جهتهم فهم لا يستحقون الرحمة، التي رفضوا إسباغها عليهم في ظل الالتزام بدين الله، ولا تلتفت إلى كل هذا التاريخ الشاقّ المليء بالجهد والمعاناة، فقد أدّيت رسالتك، وقمت بمهمتك خير قيام، ولم يبق عليك إلا أن تساهم في الإعداد لمرحلة العذاب، استجابة لطلب الله في نطاق قدرتك.