التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (8)

هذا الإِنسان - أيضا - من صفاته أنه : { يَسْمَعُ آيَاتِ الله تتلى عَلَيْهِ } صباح مساء .

{ ثُمَّ } بعد ذلك { يُصِرُّ } على كفره { مُسْتَكْبِراً } أي : متكبرا عن الإِيمان .

{ كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } أي : كأنه لم يسمع هذه الآيات ، لأنها لم توافق هواه أو شهواته .

والتعبير بقوله : { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } للتعجيب من حاله ، حيث يصر على كفره ، بعد سماع ما يدعو إلى التخلي عن الكفر ، ويحمل على الدخول في الإِيمان .

والإِصرار على الشيء : ملازمته وعدم الانفكاك عنه ، مأخوذ من الصر - بفتح الصاد - وهو الشد ، ومنه صرة الدراهم ، لأنها مشدودة على ما بداخلها .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى { ثُمَّ } فى قوله : { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } ؟

قلت : كمعناه في قول القائل ، يرى غمرات الموت ثم يزورها .

وذلك أن غمرات الموت خليقة بأن ينجو رائيها بنفسه ، ويطلب الفرار عنها .

وأما زيارتها والإِقدام على مزاولتها ، فأمر مستبعد ، فمعنى { ثُمَّ } : الإِيذان بأن فعل المقدم عليها بعدما رآها وعاينها ، شيء يستبعد في الغايات والطباع .

وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق ، من تليت عليه وسمعها : كان مستبعدا فى العقول إصراره على الضلالة عندها ، واستكباره عن الإِيمان بها .

وقوله - تعالى - : { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } تهكم بهذا الأفاك الأثيم . . واستسهزاء به . لأن البشارة فى الأصل إنما تكون من أجل الخبر السار ، الذي تتهلل له البشرة .

أي : فبشره بعذاب أليم ، بسبب إصراره على كفره ، واستحبابه العمى على الهدى

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (8)

{ يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر } يقيم على كفره . { مستكبرا } عن الإيمان بالآيات و{ ثم } لاستبعاد الإصرار بعد سماع الآيات كقوله :

يرى غمرات ثم يزورها *** . . .

{ كأن لم يسمعها } أي كأنه فخففت وحذف ضمير الشأن . والجملة في موضع الحال ، أي يصر مثل غير السامع . { فبشره بعذاب أليم } على إصراره ، والبشارة على الأصل أو التهكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (8)

و : { يصر } معناه : يثبت على عقيدته من الكفر .

وقوله : { فبشره بعذاب } حسن ذلك لما أفصح عن العذاب ، ولو كانت البشارة غير مقيدة بشيء لما حصلت إلا على المحاب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (8)

وجعلت حالتُه أنه يسمع آيات الله ثم يُصرّ مستكبراً لأن تلك الحالة وهي حالة تكرر سماعه آيات الله وتكرر إصراره مستكبراً عنها تحمله على تكرير تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وتكرير الإثم ، فلا جرم أن يكون أفاكاً أثيماً بَلْهَ ما تلبس به من الشرك الذي كله كذب وإثم .

والمراد ب { كل أفّاك أثيم } جميع المشركين الذين كذبوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وعاندوا في معجزة القرآن وقالوا { لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه } [ سبإ : 31 ] وبخاصة زعماء أهل الشرك وأيمة الكفر مثل النضْر بنِ الحارث ، وأبي جهل وقرنائهم . و { آيات الله } أي القرآن فإنها المتلوة . و { ثم } للتراخي الرتبي لأن ذلك الإصرار بعد سماع مثل تلك الآيات أعظم وأعجب ، فهو يصر عند سماع آيات الله وليس إصراره متأخراً عن سماع الآيات .

والإصرار : ملازمة الشيء وعدم الانفكاك عنه ، وحُذف متعلق { يصِرّ } لدلالة المقام عليه ، أي يُصرُّون على كفرهم كما دل على ذلك قوله : { فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون } [ الجاثية : 6 ] .

وشبه حالهم في عدم انتفاعهم بالآيات بحالهم في انتفاء سماع الآيات ، وهذا التشبيه كناية عن وضوح دلالة آيات القرآن بحيث إن من يسمعها يصدق بما دلت عليه فلولا إصرارهم واستكبارهم لانتفعوا بها .

و { كَأنْ } أصلها ( كأنَّ ) المشددة فخففت فقدر اسمها وهو ضمير الشأن . وفرّع على حالتهم هذه إنذارهم بالعذاب الأليم وأطلق على الإنذار اسم البشارة التي هي الإخبار بما يسر على طريقة التهكم .

والمراد بالعلم في قوله : { وإذا علم من آياتنا شيئاً } السمع ، أي إذا ألقى سمعه إلى شيء من القرآن اتخذه هُزؤاً ، أي لا يَتلقى شيئاً من القرآن إلا ليجعله ذريعة للهزء به ، ففعل { عَلِم } هنا متعدّ إلى واحد لأنه بمعنى عَرف .