ثم بين - سبحانه - حال الأشقياء والسعداء يوم القيامة ، فقال : { فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الكبرى } . والطامة : اسم للمصيبة العظمى ، التى تَطُمُّ وتغلب وتعلو ما سواها من مصائب ، من قولهم : طمَّ الشئ يطُمُّه طَمّاً ، إذا غمره .
وكل شئ كثر وعلا على غيره ، فقد طم عليه . ويقال : طم الماء الأرض إذا غمرها .
وهذا الوصف ليوم القيامة ، من أوصاف التهويل والشدة ، لأن أحوالها تغمر الناس وتجعلهم لا يفكرون فى شئ سواها .
وجواب الشرط محذوف ، والمجئ هنا : بمعنى الحدوث والوقوع ، أى : فإذا وقعت القيامة ، وقامت الساعة . . حدث ما لم يكن فى الحسبان من شدائد وأهوال
يجوز أن يكون التفريع على الاستدلال الذي تضمنه قوله : { أأنتم أشد خلقاً أم السماء } [ النازعات : 27 ] الآيات ، فإن إثبات البعث يقتضي الجزاء إذ هو حكمته . وإذا اقتضى الجزاء كان على العاقل أن يعمل لجزاء الحسنى ويجتنب ما يوقع في الشقاء وأن يهتم بالحياة الدائمة فيؤثرها ولا يكترث بنعيم زائل فيتورط في اتباعه ، فلذلك فرع على دليل إثبات البعث تذكير بالجزاءين ، وإرشاد إلى النجدين .
وإذ قد قُدّم قبل الاستدلال تحذيرٌ إجماليّ بقوله : { يوم ترجف الراجفة } [ النازعات : 6 ] الآية كما يذكر المطلوب قبل القياس في الجدل ، جيء عقب الاستدلال بتفصيل ذلك التحذير مع قرنه بالتبشير لمن تحلى بضده فلذلك عبر عن البعث ابتداء بالراجفة لأنها مبدؤه ، ثم بالزجرة ، وأخيراً بالطامة الكبرى لما في هذين الوصفين من معنى يشمل الراجفة وما بعدها من الأهوال إلى أن يستقر كل فريق في مقره .
ومن تمام المناسبة للتذكير بيوم الجزاء وقوعه عقب التذكير بخلق الأرض ، والامتنان بما هَيّأ منها للإِنسان متاعاً به ، للإِشارة إلى أن ذلك ينتهي عندما يحين يوم البعث والجزاء .
ويجوز أن يجعل قوله : { فإذا جاءت الطامة الكبرى } مفرعاً على قوله : { فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة } [ النازعات : 13 ، 14 ] فإن الطامة هي الزجرة .
ومناط التفريع هو ما عقبه من التفصيل بقوله : { فأما من طغى } الخ إذ لا يلتئم تفريع الشيء على نفسه .
( وإذا ) ظرف للمستقبل فلذلك إذا وقع بعد الفعل الماضي صُرف إلى الاستقبال ، وإنما يُؤتى بعد ( إذا ) بفعل الماضي لزيادة تحقيق ما يفيده ( إذا ) من تحقق الوقوع .
والمجيءُ : هنا مجاز في الحصول والوقوع لأن الشيء الموقّت المؤجل بأجل يشبه شخصاً سائراً إلى غاية ، فإذا حصل ذلك المؤجل عند أجله فكأنه السائرُ إلى ، إذا بلغ المكان المقصود .
والطامة : الحادثة ، أو الوقعة التي تَطِمُّ ، أي تعلو وتغلب بمعنى تفوق أمثالها من نوعها بحيث يقل مثلها في نوعها ، مأخوذ من طَمَّ الماء ، إذا غمر الأشياء وهذا الوصف يؤذن بالشدة والهول إذ لا يقال مثله إلا في الأمور المهولة ثم بولغ في تشخيص هولها بأن وصفت ب { الكبرى } فكان هذا أصرح الكلمات لتصوير ما يقارن هذه الحادثة من الأهوال .
والمراد بالطامة الكبرى : القيامة وقد وصفت بأوصاف عديدة في القرآن مثل الصاخّة والقارعة والراجفة ووصفت بالكبرى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.