ولما كان تركه لملة هؤلاء القوم ، يقتضى دخوله في ملة قوم آخرين ، تراه يصرح بالملة التي اتبعها فيقولك { واتبعت مِلَّةَ آبآئي } الكرام المؤمنين بوحدانية الله وبالآخرة وما فيها من حساب وجزاء .
{ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } وسماهم آباء جميعا ، لأن الأجداد آباء ، وقدم الجد الأعلى ثم الجد الأقرب ثم الأب ، لكون إبراهيم هو أصل تلك الملة التي اتبعها ، ثم تلقاها عنه إسحاق ، ثم تلقاها عن إسحاق يعقوب - عليهم السلام - .
وفى هذه الجملة الكريمة ، بيان منه - عليه السلام - لرفيقيه في السجن ، بأنه من سلسلة كريمة ، كلها أنبياء ، فحصل له بذلك الشرف الذي ليس بعده شرف ، وقوله { مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَيْءٍ } تنزه عن الشرك بأبلغ وجه .
أى : ما صح وما استقام لنا أن نشرك بالله - تعالى - أى شئ من الإِشراك ، فنحن أهل بيت النبوة الذين عصمهم الله - تعالى - عن ذلك .
و " من " في قوله " من شئ " لتأكيد النفى وتعميمه . أى : ما كان لنا أهل هذا البيت الكريم أن نشرك بالله شيئا من الإِشراك ، قليلا ذلك الشئ أو حقيرا .
وقوله { ذلك مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا وَعَلَى الناس . . . } اعتراف منه - عليه السلام - برعاية الله - تعالى - له ولآبائه .
واسم الإِشارة . يعود إلى الإيمان بالله - تعالى - المدلول عليه بنفى الشرك .
أى : ذلك الإِخلاص لله - تعالى - في العبادة ، كائن من فضله - سبحانه - علينا معاشر هذا البيت ، وعلى غيرنا من الناس ، الذين هداهم إلى الإِيمان الحق .
وقوله : { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ } إنصاف للقلة الشاكرة لله - تعالى - .
أى : ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله - تعالى - على نعمه الجزيلة وآلائه التي لا تحصى .
{ واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب } أو كلام مبتدأ لتمهيد الدعوة وإظهار أنه من بيت النبوة لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه والوثوق عليه ، ولذلك جوز للخامل أن يصف نفسه حتى يعرف فيقتبس منه ، وتكرير الضمير للدلالة على اختصاصهم وتأكيد كفرهم بالآخرة . { ما كان لنا } ما صح لنا معشر الأنبياء . { أن نشرك بالله من شيء } أي شيء كان . { ذلك } أي التوحيد . { من فضل الله علينا } بالوحي . { وعلى الناس } وعلى سائر الناس يبعثنا لإرشادهم وتثبيتهم عليه . { ولكن أكثر الناس } المبعوث إليهم . { لا يشكرون } هذا الفضل فيعرضون عنه ولا يتنبهون ، أو من فضل الله علينا وعليهم بنصب الدلائل وإنزال الآيات ولكن أكثرهم لا ينظرون إليها ولا يستدلون بها فيلغونها كمن يكفر النعمة ولا يشكرها .
وقوله : { واتبعت } الآية ، تمادٍ من يوسف عليه السلام في دعائهما إلى الملة الحنيفية ، وزوال عن مواجهة - مجلث - لما تقتضيه رؤياه .
وقرأ «آبائي » بالإسكان في الياء الأشهب العقيلي وأبو عمرو ، وقرأ الجمهور «آبائيَ » بياء مفتوحة ، قال أبو حاتم : هما حسنتان فاقرأ كيف شئت . وأما طرح الهمزة فلا يجوز ، ولكن تخفيفها جيد ؛ فتصير ياء مكسورة بعد ياء ساكنة أو مفتوحة .
وقوله : { ذلك } إشارة إلى ملتهم وشرعهم ، وكون ذلك فضلاً عليهم بين ، إذ خصهم الله تعالى بذلك وجعلهم أنبياء . وكونه فضلاً على الناس هو إذ يدعون به إلى الدين ويساقون إلى النجاة من عذاب الله عز وجل .
وقوله { من شيء } هي { من } الزائدة المؤكدة التي تكون مع الجحد . وقوله { لا يشكرون } يريد الشكر التام الذي فيه الإيمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.