ثم بين له آثار علم الله - تعالى - وقدرته فقال : { الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً .
أى : هو - سبحانه - الذى جعل لكم الأرض ممهدة كالفراش ، ليتسنى لكم الانتفاع بخيراتها ، وقرأ الأكثرون من السبعة ، { مَهْاداً } أى : فراشا . والمهاد فى الأصل ما يمهد للصبى لينام عليه .
{ وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } والسلك : الإدخال . أى : وجعل لكم فى داخلها طرقا تنتقلون فيها من مكان إلى مكان ، ومن بلدة إلى أخرى ، لقضاء مصالحكم .
{ وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شتى } والأزواج : الأصناف .
أى : وأنزل - سبحانه - بقدرته من السماء ماء نافعا كثيرا فأخرجنا بسبب هذا الماء من الأرض أصنافا شتى - أى متفرقة - من النبات ، وهذه الأصناف مختلفة المنافع والألوان والطعوم والروائح ، مما يدل على كمال قدرتنا ، ونفاذ إرادتنا .
وفى قوله { فَأَخْرَجْنَا } التفات من الغيبة إلى التكلم بصيغة التعظيم ، للتنبيه على عظم شأن هذا الإخراج ، وأثره الكبير فى حياة الناس .
فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد اشتملت على أربع منن قد امتن الله بها على عباده ، وهى : تمهيد الأرض ، وجعل الطرق فيها ، وإنزال المطر من السماء ، وإخراج النبات المتنوع من الأرض .
وهذه المنن وإن كانت ظاهرة وواضحة فى جميع فجاج الأرض ، إلا أنها أظهر ما تكون وأوضح ما تكون فى أرض مصر التى كان يعيش فيها فرعون حيث تبدو الأرض فيها منبسطة ممهدة على جانبى النيل الممتد امتدادا كبيرا .
وكان الأجدر بفرعون - لو كان يعقل - أن يخلص العبادة لواهب هذه المنن ، ومسدى هذه النعم ، وهو الله رب العالمين .
{ الذي جعل لكم الأرض مهدا } مرفوع صفة ل { ربي } أو خبر لمحذوف أو منصوب على المدح . وقرأ الكوفيون هنا وفي " الزخرف " { مهدا } أي كالمهد تتمدونها ، وهو مصدر رسمي به ، والباقون مهادا وهو اسم ما يمهد كالفراش أو جمع مهد ولم يختلفوا في الذي في " النبأ " { وسلك لكم فيها سبلا } وجعل لكم فيها سبلا بين الجبال والأدوية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها . { وأنزل من السماء ماء } مطرا . { فأخرجنا به } عدل به عن لفظ الغيبة إلى صيغة التكلم على الحكاية لكلام الله تعالى ، تنبيها على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة وإيذانا بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لمشيئته ، وعلى هذا نظائره كقوله { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها أم من خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق } الآية . أزواجا أصنافا سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض . من نبات بيان أو صفة لأزواجا وكذلك : { شتى } ويحتمل أن يكون صفة ل { نبات } فإنه من حيث أنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع ، وهو جمع شتيت كمريض ومرضى أي متفرقات في الصور والأغراض والمنافع يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم فلذلك قال : { كلوا وارعوا أنعامكم } .
انظر إن هذه الأشياء التي ذكرها موسى عليه السلام هي مما تقضي بداية العقول أن فرعون وكل بشير بعيد منها لأنه لو قال هو القادر الرازق المريد العالم ونحو هذا من العبارات لأمكن فرعون أن يغالط فيقول أنا أفعل هذا كله فإنما أتاه موسى عليه السلام بصفات لا يمكنه أن يقول إن ذلك له وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «مِهاداً » بكسر الميم وبألف ، والمهاد قيل هو جمع مهد ، وقيل اسم مفرد كفرش وفراش ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «جعل لكم الأرض مَهْداً » بفتح الميم وسكون الهاء ، وقوله { سلك } بمعنى نهج ولحب{[8116]} ، و «السبل » الطرق ، وقوله { فأخرجنا به } يحتمل أن يكون كلام موسى تم عند قوله { وأنزل من السماء ماء } ثم وصل الله تعالى كلام موسى بإخباره لمحمد صلى الله عليه وسلم والمراد الخلق أجمع ، فهذه الآيات المنبهة عليها ، و «الأزواج » هنا بمعنى الأنواع ، وقوله { شتى } نعت للأزواج أي مختلفات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.