التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (104)

ثم حكى - سبحانه - ما كان عليه هؤلاء العوام المقلدون من جمود وخضوع للباطل فقال . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَآ أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } .

أي : وإذا قال قائل - على سبيل النصح والإِرشاد إلى الخير - لهؤلاء المقلدين المنقادين انقيادا أعمى للأوهام إذا قال لهم هذا القائل : تعالوا أي : أقبلوا واستجيبوا لما أنزل الله في كتابه ، ولما أنزل على رسوله من هدايات لتسعدوا وتفوزوا قالوا : بعناد وغباء - { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } : كافينا في هذا الشأن ما وجدوا عليه آباءنا من عقائد وتقاليد وعادات . فلا نلتفت إلى ما سواه .

وهذه حجة كل ضال مقلد لمن سبقوه بغير تعقل ولا تدبر . إنه يترك معاني العزة والكرامة وإعمال الفكر ليعيش أسير ذلته للأوهام التي شب عليها وسار خلفها مقلداً غيره ومنقاداً له انقياد الخانعين الأذلاء .

ولم يذكر - سبحانه - القائل في قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } للإِشارة إلى أن الذين يدعونهم إلى طريق الحق متعددون ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم ، والمؤمنون يدعونهم . والأدلة الدالة على صدق هذا الدين تدعوهم . ومع كل ذلك فهم في ضلالهم سادرون ، وتحت سلطان سادتهم خانعون .

وقوله - تعالى - { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } رد عليهم بأسلوب التأنيب والتعجيب من جهالاتهم وخضوعهم للباطل بدون مراجعة أو تفكير .

والواو في قوله { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ } وأو الحال . والهمزة التي دخلت عليها للانكار والتعجب من ضلالهم .

والمعنى : أيقولون حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا . ويغلقون على أنفسهم باب الهداية ليبقوا في ظلمات الضلالة ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً من الحق ولا يهتدون إليه لانطماس بصيرتهم .

وليس المراد أن آباءهم لو كانوا يعلمون شيئاً أو يهتدون إلى شيء لجاز لهم ترك ما أنزل الله وإنما المراد هنا تسجيل الواقع المظلم الذي كانوا عليه وكان عليه آباؤهم من قبلهم . فآباؤهم كانوا كذلك يتبعون ما شرعه لهم آباؤهم بدون تأمل أو تفكير .

فالآية الكريمة زيادة في توبيخهم وتوبيخ آبائهم ؛ لأنهم جميعا مشتركون في الانغماس في الضلال والجهل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (104)

{ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا } بيان لقصور عقولهم وانهماكهم في التقليد وأن لا سند لهم سواه . { أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون } الواو للحال والهمزة دخلت عليها لإنكار الفعل على هذه الحال ، أي أحسبهم ما وجدوا عليه آباءهم ولو كانوا جهلة ضالين ، والمعنى أن الاقتداء إنما يصح بمن علم أنه عالم مهتد وذلك لا يعرف إلا بالحجة فلا يكفي التقليد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (104)

والضمير في قوله { قيل لهم } عائد على الكفار المستنين بهذه الأشياء و { تعالوا } نداء بين ، هذا أصله ، ثم استعمل حيث الِبر وحيث ضده ، و { إلى ما أنزل الله } يعني القرآن الذي فيه التحريم الصحيح و { حسبنا } معناه كفانا وقوله { أوَلوْ كان آباؤهم } ألف التوقيف دخلت على واو العطف كأنهم عطفوا بهذه الجملة على الأولى والتزموا شنيع القول فإنما التوقيف توبيخ لهم ، كأنهم يقولون بعده نعم ولو كانوا كذلك .