التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِيّٗا} (61)

وقوله { جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ بالغيب } . بدل من الجنة فى قوله { فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة } .

أى : هؤلاء التائبون المؤمنون العاملون للصالحات يدخلهم الله - تعالى - جنات عدن ، أى : الجنات الدائمة التى وعدهم الرحمن بدخولها ، وكان هذا الوعد فى الدنيا قبل أن يشاهدوها أو يروها .

فقوله : { بالغيب } حال من المفعول وهو { عِبَادَهُ } أى : وعدهم بها حالة كونهم غائبين عنها ، لا يرونها ، وإنما آمنوا بوجودها بمجرد إخباره - سبحانه - لهم بذلك .

وقد أكد - سبحانه - هذا الوعد لهم بوجودها بمجرد إخباره - سبحانه - لهم بذلك .

وقد أكد - سبحانه - هذا الوعد لهم فى الدنيا بقوله : { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } أى : إنه - تعالى - كان وما زال ما وعد به عباده وهو الجنة { مَأْتِيّاً } أى : يأتيه ويصل إليه من وعده الله - تعالى - به ، لأنه - سبحانه - لا يخلف وعده .

فقوله : { مَأْتِيّاً } اسم مفعول من أتاه الشىء بمعنى جاءه ، وقيل : هو اسم مفعول بمعنى فاعل ، أى : إن وعده - سبحانه - لعباده كان آتياً لا ريب فيه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِيّٗا} (61)

يقول تعالى : الجنات التي يدخلها{[18969]} التائبون من ذنوبهم ، هي { جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي : إقامة { الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ } بظهر الغيب ، أي : هي من الغيب الذي يؤمنون به وما رأوه ؛ وذلك لشدة إيقانهم وقوة إيمانهم .

وقوله : { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا } تأكيد لحصول ذلك وثبوته واستقراره ؛ فإن الله لا يخلف الميعاد ولا يبدله ، كقوله : { كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا } [ المزمل : 18 ]{[18970]} أي : كائنا لا محالة .

وقوله هاهنا : { مَأْتِيًّا } أي : العباد صائرون إليه ، وسيأتونه .

ومنهم من قال : { مَأْتِيًّا } بمعنى : آتيا ؛ لأن كل ما أتاك فقد أتيته ، كما تقول العرب : أتت عليّ خمسون سنة ، وأتيت على خمسين سنة ، كلاهما بمعنى [ واحد ]{[18971]}


[18969]:في ت: "يدخل إليها".
[18970]:في ت: "إنه كان" وهو خطأ، وفي أ: "كان وعده مفعولا" وهو الصواب.
[18971]:زيادة من ف، أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِيّٗا} (61)

و{ جَنَّات } بدل من { الجنّة } . جيء بصيغة جمع جنات مع أن المبدل منه مفرد لأنه يشتمل على جنات كثيرة كما علمت ، وهو بدل مطابق وليس بدل اشتمال .

وعَدْن : الخلد والإقامة ، أي جنات خلد ووصفها ب { التي وعد الرحمان عباده } لزيادة تشريفها وتحسينها . وفي ذلك إدماج لتبشير المؤمنين السابقين في أثناء وعد المدعوين إلى الإيمان .

والغيب : مصدر غاب ، فكل ما غاب عن المشاهدة فهو غيب .

وتقدم في قوله تعالى : { الذين يؤمنون بالغيب } في أول البقرة ( 3 ) .

والباء في بالغيب للظرفية ، أي وعدها إياهم في الأزمنة الغائبة عنهم . أي في الأزل إذ خلقها لهم . قال تعالى : { أعدت للمتقين } [ آل عمران : 133 ] . وفيه تنبيه على أنها وإن كانت محجوبة عنهم في الدنيا فإنها مهيئة لهم .

وجملة { إنه كان وعده مأتياً } تعليل لجملة { التي وعد الرحمن عباده بالغيب } أي يدخلون الجنة وعداً من الله واقعاً . وهذا تحقيق للبشارة .

والوعد : هنا مصدر مستعمل في معنى المفعول . وهو من باب كَسا ، فالله وعد المؤمنين الصالحين جنات عدن . فالجنات لهم موعودة من ربهم .

والمأتِي : الذي يأتيه غيره . وقد استعير الإتيان لحصول المطلوب المترقب ، تشبيهاً لمن يحصل الشيء بعد أن سعى لتحصيله بمن مشى إلى مكان حتى أتاه . وتشبيهاً للشيء المحصل بالمكان المقصود . ففي قوله { مأتِيّا } تمثيلية اقتصر من أجزائها على إحدى الهيئتين ، وهي تستلزم الهيئة الأخرى لأنّ المأتي لا بد له من آت .