التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلٗا} (109)

{ يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } أى : فى هذا اليوم الذى تخشع فيه الأصوات لا تنفع الشفاعة أحدا كائنا من كان ، إلا شفاعة من أذن له الرحمن فى ذلك { وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } أى : ورضى - سبحانه - قول الشافع فيمن يشفع له .

قال الإمام ابن كثير : وهذه الآية كقوله - تعالى - : { مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وكقوله : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السماوات لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَآءُ ويرضى } وكقوله : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى } وفى الصحيحين من غير وجه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أتى تحت العرش ، وأخر لله ساجدا ، وبفتح على بمحامد لا أحصيها الآن ، ثم يقول - سبحانه - : " يا محمد ، ارفع رأسك ، وقل يسمع قولك ، واشفع تشفع . قال - صلى الله عليه وسلم - : فيحد لى حدا ، فأدخلهم الجنة ، ثم أعود ، فذكر أربع مرات " - صلى الله عليه وسلم - وعلى سائر الأنبياء . . .

وفى الحديث : يقول - تعالى - : " أخرجوا من النار من كان قلبه مثقال حبة من إيمان فيخرجون خلقا كثيرا ، ثم يقول - سبحانه - : أخرجوا من النار من كان فى قلبه نصف مثقال من إيمان ، أخرجوا من النار من كان فى قلبه ما يزن ذرة ، من كان فى قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلٗا} (109)

يقول تعالى : { يَوْمَئِذٍ } أي : يوم القيامة { لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ } أي : عنده { إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا } كقوله : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] ، وقوله : { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } [ النجم : 26 ] ، وقال : { وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى } [ الأنبياء : 28 ] وقال : { وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [ سبأ : 23 ] ، وقال : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [ النبأ : 38 ] .

وفي الصحيحين ، من غير وجه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم ، وأكرم الخلائق على الله عز وجل أنه قال : " آتي تحت العرش ، وأخر{[19504]} لله ساجدًا ، ويَفْتَح عليّ بمحامد لا أحصيها الآن ، فيدعني{[19505]} ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول : يا محمد ، ارفع رأسك ، وقل يسمع{[19506]} واشفع تشفع " . قال : " فيحد لي حدًّا ، فأدخلهم الجنة ، ثم أعود " ، فذكر أربع مرات ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء .

وفي الحديث [ أيضًا ]{[19507]} يقول تعالى : أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان ، فَيُخْرِجُون خلقا كثيرا ، ثم يقول : أخرجوا من النار من كان في قلبه نصف مثقال من إيمان ، أخرجوا من النار من كان في قلبه ما يزن ذرّة ، من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرّة من إيمان " الحديث . {[19508]}


[19504]:في ف، أ: "فأخر".
[19505]:في ف: "ويدعني".
[19506]:في ف: "تسمع".
[19507]:زيادة من ف، أ.
[19508]:انظر: أحاديث الشفاعة عند تفسير الآية: 79 من سورة الإسراء.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلٗا} (109)

جملة { يومئذ لا تنفع الشفاعة } كجملة { يومئذ يتبعون الداعي } في معنى التفريع على { وخشعت الأصوات للرحمن } ، أي لا يتكلّم الناس بينهم إلاّ همساً ولا يجرؤون على الشفاعة لمن يهمهم نفعه . والمقصود من هذا أن جلال الله والخشية منه يصدان عن التوسط عنده لنفع أحد إلاّ بإذنه ، وفيه تأييس للمشركين من أن يجدوا شفعاء لهم عند الله .

واستثناء { مَن أذِنَ لهُ الرحمن } من عموم الشفاعة باعتبار أنّ الشفاعة تقتضي شافعاً ، لأن المصدر فيه معنى الفعل فيقتضي فاعلاً ، أي إلا أن يشفع من أذن له الرحمان في أن يشفع ، فهو استثناء تام وليس بمفرغ .

واللاّم في { أذِنَ لهُ } لام تعدية فِعل { أَذِنَ } ، مثل قوله { قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم } [ الأعراف : 123 ] . وتفسير هذا ما ورد في حديث الشفاعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم « فيقال لي : سلْ تُعْطَه واشفَعْ تُشفّع » .

وقوله { ورضِيَ له قولاً } عائد إلى { مَن أذن له الرّحمان } وهو الشافع . واللاّم الداخلة على ذلك الضمير لام التّعليل ، أي رضي الرحمانُ قولَ الشّافع لأجل الشافع ، أي إكراماً له كقوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك } [ الشرح : 1 ] فإن الله ما أذن للشافع بأن يشفع إلا وقد أراد قبول شفاعته ، فصار الإذن بالشّفاعة وقبولُها عنواناً على كرامة الشافع عند الله تعالى .

والمجرور متعلق بفعل { رضي } . وانتصب { قولاً } على المفعولية لفعل رضي لأن رضي هذا يتعدى إلى الشيء المرضي به بنفسه وبالباء .