التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱضۡمُمۡ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخۡرَىٰ} (22)

ثم وجه - سبحانه - أمرا آخر إلى عبده موسى فقال : { واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء آيَةً أخرى } .

والضم : الجمع . يقال : ضم فلان أصابعه إذا جمعها . والجناح ، يطلق على العضد وعلى الجنب ، وعلى الإبط . واصله جناح الطائر وسمى بذلك لأنه يجنحه ، أى : يميله عند الطيران ، ثم توسع فيه فأطلق على العضد وغيره .

والمراد باليد هنا : كف يده اليمنى .

والسوء : الردىء والقبيح من كل شىء ، وكنى به هنا عن البرص لشدة قبحه .

والمعنى : واضمم - يا موسى - يدك اليمنى إلى عضد يدك اليسرى بأن تجعلها تحته عند الإبط . ثم أخرجها فإنها تخرج { بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء } أى : تخرج منيرة مشرقة واضحة البياض دون أن يعلق بها أى سوء من برص أو مرض أو غيرهما ، وإنما يكون بياضها بياضا مشرقا بقدرة الله - تعالى وإرادته .

قال الحسن البصرى : أخرجها - والله - كأنها مصباح ، فعلم موسى أنه قد لقى ربه - تعالى - .

وقوله : { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ . . } جواب الأمر وهو قوله : { واضمم يَدَكَ } .

وقوله : { مِنْ غَيْرِ سواء } احتراس لدفع توهم أن يكون بياضها بسبب مرض أو أذى ، وهو متعلق بتخرج .

وقوله : { آيَةً أخرى } أى : معجزة أخرى غير معجزة العصا التى سبق أن منحناها لك .

كما قال - تعالى - : { واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱضۡمُمۡ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخۡرَىٰ} (22)

وهذا بُرهان ثان لموسى ، عليه السلام ، وهو أن الله أمره أن يدخل يده في جيبه ، كما صرح به في الآية الأخرى ، وهاهنا عبر عن ذلك بقوله : { وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ } وقال في مكان آخر : { وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } [ القصص : 32 ] .

وقال مجاهد : { وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ } كفه تحت عضده .

وذلك أن موسى ، عليه السلام ، كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها ، تخرج تتلألأ كأنها فلقة قمر .

وقوله : { تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } أي : من غير بَرَص ولا أذى ، ومن غير شين . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وغيرهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱضۡمُمۡ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخۡرَىٰ} (22)

هذه معجزة أخرى عَلمه الله إياها حتى إذا تحدّى فرعون وقومه عمل مثل ذلك أمام السحرة . فهذا تمرين على معجزة ثانية مُتّحِد الغرض مع إلقاء العصا .

والجناح : العضد وما تحته إلى الإبط . أطلق عليه ذلك تشبيهاً بجناح الطائر .

والضمّ : الإلصاق ، أي ألصق يدك اليمنى التي كنت ممسكاً بها العصا . وكيفية إلصاقها بجناحه أن تباشر جِلدَ جناحه بأن يدخلها في جَيْب قميصه حتى تماس بَشرة جنبه ، كما في آية سورة سليمان : { وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء } [ النّمل : 12 ] . جعل الله تغيّر لون جلد يده مماستها جناحه تشريفاً لأكثر ما يناسب من أجزاء جسمه بالفعل والانفعال .

و { بيضَاءَ } حال من ضمير { تَخْرُجُ } ، و { مِنْ غيرِ سُوءٍ } حال من ضمير { بَيْضَاء } .

ومعنى { مِنْ غير سُوءٍ } من غير مَرض مثل البَرص والبَهق بأن تصير بيضاء ثم تعود إلى لونها المماثل لونَ بقية بشرته . وانتصب { آيةً } على الحال من ضمير { تَخْرُجُ } .