التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (21)

وبعد أن بين - سبحانه - جانباً من مظاهر نعمه فى الماء والنبات أتبع ذلك ببيان جانب آخر من نعمه فى الأنعام والحيوان . فقال : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً . . } .

والأنعام : تطلق على الإبل والبقر والغنم . وقد تطلق على الإبل خاصة .

والعبرة : اسم من الاعتبار ، وهو الحالة التى تجعل الإنسان يعتبر ويتعظ بما يراه ويسمعه .

أى : وإن لكم - أيها الناس - فيما خلق الله لكم من الأنعام لعبرة وعظة ، تجعلكم تخلصون العبادة لله - تعالى - وتشكرونه على آلائه .

وقوله - سبحانه - : { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } . بيان لمواطن العبرة ، وتعريف بأوجه النعمة .

أى : نسقيكم مما فى بطونها من ألبان خالصة ، تخرج من بين فرث ودم ، ولكم فى هذه الأنعام منافع كثيرة ، كأصوافها وأوبارها وأشعارها ، ومنها تأكلون من لحومها ، ومما يستخرج من ألبانها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (21)

وقوله : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } : يذكر تعالى ما جعل لخلقه في الأنعام من المنافع ، وذلك أنهم يشربون من ألبانها الخارجة من بين فرْث ودم ، ويأكلون من حملانها ، ويلبسون من أصوافها وأوبارها وأشعارها ، ويركبون ظهورها ويحملونها{[20532]} الأحمال الثقال إلى البلاد النائية عنهم ، كما قال تعالى : { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ النحل : 7 ] ، وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ . وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ . وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ } [ يس : 71 - 73 ] .


[20532]:- في ف : "ويحملون".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (21)

{ الأنعام } هي الإبل والبقر والضأن والمعز و «العبرة » في خلقتها وسائر أخبارها ، وقرأ الجمهور «نُسقيكم » بضم النون من أسقى ، ورويت عن عاصم ، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر «نَسقيكم » بفتح النون من سقى ، فمن الناس من قال هما لغتان بمعنى ، ومنهم من قال سقيته إذا أعطيته للشفة وأسقيته إذا جعلت له سقياً لأرض أو ثمرة ونحوه ، فكأن الله تعالى جعل الأنعام لعبيده سقياً يشربون وينتجعون ، وقرأ أبو جعفر «تسقيكم » بالتاء من فوق أَي تسقيكم الأنعام ، و «المنافع » الحمل عليها وجلودها وأصوافها وأوبارها وغير ذلك مما يطول عده ،

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (21)

هذا العطف مثل عطف جملة { وأنزلنا من السماء } [ المؤمنون : 18 ] ففيه كذلك استدلال ومنة .

والعبْرة : الدليل لأنه يُعبر من مَعرفته إلى معرفة أخرى . والمعنى : إن في الأنعام دليلاً على انفراد الله تعالى بالخلق وتمام القدرة وسعة العلم . والأنعام تقدم أنها الإبل في غالب عرف العرب .

وجملة { نسقيكم مما في بطونها } بيان لجملة { وإن لكم في الأنعام لعبرة } فلذلك لم تعطف لأنها في موقع المعطوف عطف البيان .

والعبرة حاصلة من تكوين ما في بطونها من الألبان الدال عليه { نسقيكم } . وأما { نسقيكم } بمجردة فهو منة . وقد تقدم نظير هذه الآية مفصلاً في سورة النحل ( 66 ) .

وجملة { ولكم فيها منافع كثيرة } وما بعدها معطوفة على جملة { نسقيكم مما في بطونها } فإن فيه بقية بيان العبرة وكذلك الجُمل بعده . وهذه المنافع هي الأصواف والأوبار والأشعار والنَّتاج .

وأما الأكل منها فهو عبرة أيضاً إذ أعدها الله صالحة لتغذية البشر بلحومها لذيذة الطعم ، وألهم إلى طريقة شَيِّهَا وصلقها وطبخها ، وفي ذلك منة عظيمة ظاهرة .