نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (21)

ولما دل سبحانه وتعالى على قدرته بما أحيا بالماء حياة قاصرة عن الروح ، أتبعه ما أفاض عليه به حياة كاملة فقال : { وإن لكم في الأنعام } وهي الإبل والبقر والغنم { لعبرة } تعبرون بها من ظاهر أمرها إلى باطنه مما له سبحانه فيها من القدرة التامة على البعث وغيره ؛ ثم استأنف تفصيل ما فيها من العبرة قائلاً : { نسقيكم } ولما كان الأنعام مفرداً لكونه اسم جمع ، ولم يذكر ما يسقى منه ، أنث الضمير بحسب المعنى وعلم أن المراد ما يكون منه اللبن خاصة وهو الإناث ، فهو استخدام لأنه لو أريد جميع ما يقع عليه الاسم لذكر الضمير ، فلذلك قال : { مما في بطونها } أي نجعله لكم شراباً نافعاً للبدن موافقاً للشهوة تلتذون به مع خروجه من بين الفرث والدم كما مضى في النحل { ولكم فيها } أي في جماعة الأنعام ، وقدم الجار تعظيماً لمنافعها حتى كأن غيرها عدم { منافع كثيرة } باستسلامها لما يراد منها مما لا يتيسر من أصغر منها ، وبأولادها وأصوافها وأوبارها ، وغير ذلك من آثارها .

ولما كان التقدير : تصرفونها في تلك المنافع ، عطف عليه مقدماً للجار تعظيماً لمأكولها فقال : { ومنها تأكلون* } بسهولة من غير امتناع ما عن شيء من ذلك ، ولو شاء لمنعها من ذلك وسلطها عليكم ، ولو شاء لجعل لحمها لا ينضج ، أو جعله قذراً لا يؤكل ، ولكنه بقدرته وعلمه هيأها لما ذكر وذللها له .