فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (21)

{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } هذه من جملة النعم التي امتن الله بها عليهم ، وقد تقدم تفسير الأنعام في سورة النحل ، وهي الإبل والبقر والغنم .

قال النيسابوري : ولعل القصد بالأنعام هنا الإبل خاصة لأنها هي المحمول عليها في العادة ، ولأنه قرنها بالفلك ، وهي سفائن البر ، كما أن الفلك سفائن البحر . قال ذو الرمة :

سفائن بر تحت خدّي زمامها

وبين سبحانه أنها عبرة وعظة لأنها مما يستدل بخلقها وأفعالها على عظم القدرة الإلهية ، وخصها بالعبرة دون النبات لأن العبرة فيها أظهر ، ثم فصل سبحانه ما في هذه الأنعام من النعم بعدما ذكره من العبرة فيها للعباد فقال : { نُّسقِيكُم } بضم النون وفتحها .

{ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا } يعني اللبن المتكون في بطونها المنصب إلى ضروعها من بين فرث ودم ، فإن في انعقاد ما تأكله من العلف واستحالته إلى هذا الغذاء اللذيذ والمشروب النفيس أعظم عبرة للمعتبرين وأكبر موعظة للمتعظين ، وقرئ بالفوقية على أن الفاعل هو الأنعام ، وذكره هنا بلفظ الجمع لأنه راجع للأنعام مرادا بها الجمع ، وفي النحل قال : مما في بطونه بالإفراد نظرا إلى أن الأنعام اسم مفرد ، ذكره زكريا في متشابه القرآن .

وقال الكرماني : إن ما في النحل مراد به بعض الأنعام وهو الإناث ، فأتى بالضمير مفردا مذكرا ، والمراد منه هنا الكل الشامل للإناث والذكور ، بدليل العطف في قوله الآتي : { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } ، فإن هذا لا يخص الإناث ، وهذا العطف لم يذكر في النحل ، ثم ذكر ما فيها من المنافع إجمالا فقال : { ولكم فيها } أي في ظهورها وألبانها وأولادها وأصوافها وأشعارها وهي حية { مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ } ثم ذكر منفعة خاصة فقال : { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } بعد الذبح ، لما في الأكل من عظيم الانتفاع لهم ،