فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (21)

{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً } هذه من جملة النعم التي امتنّ الله بها عليهم . وقد تقدّم تفسير الأنعام في سورة النحل . قال النيسابوري في تفسيره : ولعلّ القصد بالأنعام هنا إلى الإبل خاصة ؛ لأنها هي المحمول عليها في العادة ؛ ولأنه قرنها بالفلك وهي سفائن البرّ ، كما أن الفلك سفائن البحر . وبين سبحانه أنها عبرة ؛ لأنها مما يستدل بخلقها وأفعالها على عظيم القدرة الإلهية ، ثم فصل سبحانه ما في هذه الأنعام من النعم بعد ما ذكره من العبرة فيها للعباد فقال : { نُسْقِيكُمْ ممَّا فِي بُطُونِهَا } يعني سبحانه : اللبن المتكوّن في بطونها المنصبّ إلى ضروعها ، فإن في انعقاد ما تأكله من العلف واستحالته إلى هذا الغذاء اللذيذ ، والمشروب النفيس أعظم عبرة للمعتبرين ، وأكبر موعظة للمتعظين . وقرئ { نسقيكم } بالنون على أن الفاعل هو الله سبحانه ، وقرئ بالتاء الفوقية على أن الفاعل هو الأنعام ، ثم ذكر ما فيها من المنافع إجمالاً فقال : { وَلَكُمْ فيِهَا منافع كَثِيرَةٌ } يعني : في ظهورها وألبانها وأولادها وأصوافها وأشعارها ، ثم ذكر منفعة خاصة فقال : { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } لما في الأكل من عظيم الانتفاع لهم .

/خ22