التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (78)

ثم تاخذ السورة الكريمة بعد ذلك فى تذكيرهم بنعم الله عليهم ، لعلهم يتوبون أو يتذكرون ، فتقول : { وَهُوَ الذي أَنْشَأَ . . . } .

أى : " وهو " الله - تعالى - وحده ، " الذى أنشأ لكم " أيها الناس بفضله ورحمته " السمع " الذى تسمعون به " والأبصار " التى تبصرون بها " والأفئدة " التى بواسطتها تفهمون وتدركون . . .

ولو تدبر الإنسان هذه النعم حق التدبر : لاهتدى إلى الحق . ولآمن بأن الخالق لهذه الحواس وغيرها . هو الله الواحد القهار .

ولكن الإنسان - إلا من عصم الله - قليل الشكر لله - تعالى - ولذا قال - سبحانه - : { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } أى : شكراً قليلاً ما تشكرون هذه النعم الجليلة ، بدليل أن أكثر الناس فى هذه الحياة ، كافرون بوحدانية الله - تعالى - .

فلفظ " قليلاً " صفة لموصوف محذوف ، و " ما " لتأكيد هذه القلة وتقريرها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (78)

ثم ذكر تعالى نعمته على عباده في أن جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ، وهي العقول والفهوم ، التي يدركون{[20627]} بها الأشياء ، ويعتبرون بما في الكون من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى ، وأنه الفاعل المختار لما يشاء .

وقوله : { قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ } أي : وما أقل شكركم لله على ما أنعم به عليكم ، كقوله : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] .


[20627]:- في ف : "تدركون"
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (78)

{ وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار } لتحسوا بها ما نصب من الآيات . { والأفئدة } لتتفكروا فيها وتستدلوا بها إلى غير ذلك من المنافع الدينية والدنيوية . { قليلا ما تشكرون } تشكرونها شكرا قليلا لأن العمدة في شكرها استعمالها فيما خلقت لأجله ، والإذعان لمانحها من غير إشراك و { ما } صلة للتأكيد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (78)

هذا رجوع إلى غرض الاستدلال على انفراد الله تعالى بصفات الإلهية والامتنان بما منح الناس من نعمة لعلهم يشكرون بتخصيصه بالعبادة ، وذلك قد انتقل عنه من قوله { وعليها وعلى الفلك تحملون } [ المؤمنون : 22 ] فانتقل إلى الاعتبار بآية فُلك نوح عليه السلام فأتبع بالاعتبار بقصص أقوام الرسل عقب قوله تعالى : { وعليها وعلى الفلك تحملون } [ المؤمنون : 22 ] فالجملة إما معطوفة على جملة { وإن لكم في الأنعام لعبرة } [ المؤمنون : 21 ] والغرض واحد وما بينهما انتقالات .

وإما مستأنفة رجوعاً إلى غرض الاستدلال والامتنان وقد تقدمت الإشارة إلى هذا عند قوله تعالى : { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } [ المؤمنون : 23 ] .

وفي هذا الانتقال من أسلوب إلى أسلوب ثم الرجوع إلى الغرض تجديد لنشاط الذهن وتحريك للإصغاء إلى الكلام وهو من أساليب كلام العرب في خطبهم وطوالهم . وسماه السكاكي : قرى الأرواح . وجعله من آثار كرم العرب .

وقوله : { وهو الذي أنشأ لكم السمع } تذكير بوحدانية الله تعالى .

والأظهر أن يكون ضمير الجلالة مسنداً واسم الموصول مسنداً إليه لأنهم علموا أن منشئاً أنشأ لهم السمع والأبصار ، فصاحب الصلة هو الأولى بأن يعتبر مسنداً إليه وهم لما عبدوا غيره نزلوا منزلة من جهل أنه الذي أنشأ لهم السمع فأتى لهم بكلام مفيد لقصر القلب أو الإفراد ، أي الله الذي أنشأ ذلك دون أصنامكم . والخطاب للمشركين على طريقة الالتفات ، أو لجميع الناس ، أو للمسلمين ، والمقصود منه التعريض بالمشركين .

والإنشاء : الإحداث ، أي الإيجاد .

وجمع الأبصار والأفئدة باعتبار تعدد أصحابها . وأما إفراد السمع فجرى على الأصل في إفراد المصدر لأن أصل السمع أنه مصدر . وقيل : الجمع باعتبار المتعلقات فلما كان البصر يتعلق بأنواع كثيرة من الموجودات وكانت العقول تدرك أجناساً وأنواعاً جُمِعا بهذا الاعتبار . وأفرد السمع لأنه لا يتعلق إلا بنوع واحد وهو الأصوات .

وانتصب { قليلاً } على الحال من ضمير { لكم } . و { ما } مصدرية . والتقدير : في حال كونكم قليلاً شكركم . فإن كان الخطاب للمشركين فالشكر مراد به التوحيد ، أي فالشكر الصادر منكم قليل بالنسبة إلى تشريككم غيره معه في العبادة . وإن كان الخطاب لجميع الناس فالشكر عام في كل شكر نعمة وهو قليل بالنسبة لقلة عدد الشاكرين ، لأن أكثر الناس مشركون كما قال تعالى : { ولا تجد أكثرهم شاكرين } [ الأعراف : 17 ] . وإن كان الخطاب للمسلمين والمقصود التعريض بالمشركين فالشكر عام وتقليله تحريض على الاستزادة منه ونبذ الشرك .