السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (78)

ثم إنه سبحانه التفت إلى خطابهم وبين عظيم نعمته من وجوه :

أحدها : ما ذكره بقوله تعالى :

{ وهو الذي أنشأ } أي : خلق { لكم } يا من يكذب بالآخرة { السمع } بمعنى الإسماع { والأبصار } على غير مثال سبق لتحسنوا بها ما نصب من الآيات { والأفئدة } أي : التي هي مراكز العقول فتتفكروا في الآيات وتستدلوا بها على الوحدانية فكنتم بها أعلى من بقية الحيوان جمع فؤاد وهو القلب ، وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر ؛ لأنه يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية ما لا يتعلق بغيرها ، فمن لم يعملها فيما خلقت له ، فهو بمنزلة عادمها كما قال عز وجل : { فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ، ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله } [ الأحقاف ، 26 ] ، ولما صور لهم هذه النعم وهي بحيث لا يشك عاقل في أنه لو تصور أنّ يعطي آدمي شيئاً منها لم يقدر على مكافأته حسن تبكيتهم في كفر النعم ، فقال تعالى : { قليلاً ما تشكرون } لمن أولاكم هذه النعم التي لا يقدر غيره على شيء منها مع ادعائكم أنكم أشكر الناس لمن أسدى إليكم أقل ما يكون من النعم التي يقدر على مثلها كل أحد ، فكنتم بذلك مثل الحيوانات العجم صماً بكماً عمياً ؛ قال أبو مسلم : ليس المراد أنّ لهم شكراً وإن قل ، لكنه يقال للكفور الجاحد النعمة ما أقل شكر فلان .