تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (78)

{ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ( 78 ) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 79 ) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ( 80 ) } .

78

التفسير :

78 - وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ .

أنشأ : خلق .

الأفئدة : القلوب ، مفردها فؤاد ، وقد خلقها للتفكر والتدبر والتأمل .

من شأن القرآن الكريم أن يتخول الناس بالموعظة بين الحين والحين ، فقد استعرض حال أهل مكة ، وإصرارهم على الكفر والعناد فيما سبق ، وهنا يذكرهم بأنعم الله تعالى عليهم ، فالله تعالى أوجدهم إلى الدنيا ، لا يعلمون شيئا ، ثم أنعم عليهم بحاسة السمع ، والطفل يبدأ في السمع خلال الأسابيع الأولى من ولادته ، وخلال الشهر الثالث يبدأ في الإبصار ، ولا يتم تركيز الإبصار إلا بعد الشهر السادس ، وأما الإدراك بالعقل فلا يكون إلا بعد ذلك .

وهذه الأجهزة العجيبة ، التي يتمتع بها الإنسان ، وكيفية عملها وأدائها لوظائفها ، أمر يدير الرءوس ، وقد كان اكتشاف طبيعة هذه الحواس والقوى وطريقة عملها ، يعد كشفا عظيما في عالم البشر ، فكيف بخلقها وتركيبها على هذا النحو المتناسق مع طبيعة الكون الذي يعيش فيه الإنسان ؟

ونلاحظ أن القرآن الكريم يقدم السمع على البصر ، ويدل ذلك على أهمية السمع في حياة الإنسان ، وكأن اختراع الإذاعة والتليفون ، والتليفون المحمول مما يبين أهمية السمع ، والسمع مرتبط بالفكر ، والأعمى يعتمد على السمع والفكر وهما وسيلة تميز الإنسان ، وفي الحديث الصحيح : أن الله اختبر ثلاثة من البشر ، كانوا مرضى وفقراء فشفاهم الله ، وأعطاهم المال ؛ ثم اختبرهم في حال الصحة والغنى ، وكان أحدهم أبرص والثاني أقرع ، والثالث أعمى ، فرسب الأبرص والأقرع في الامتحان ، ونجح الأعمى لأن الأول ضن بالمال ورفض مساعدة مريض فقير ، وكذلك الثاني ، أما الأعمى فقد قال : لقد كنت مثلك أعمى فشفاني الله ، وكنت فقيرا فأغناني الله ، خذ ما تشاء من أغنامي فلا أمنعك مالا أخذته في سبيل الله ، فقال له الملاك : أمسك عليك مالك ، لقد رضي عنك وسخط على صاحبيك )xxiv .

وهذا الحديث الصحيح يبين أهمية البصيرة الداخلية ، وأهمية القيام بشكر الله تعالى على ما أنعم به .

وفي معنى الآية قوله تعالى : وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . ( النحل : 78 ) .

وقد خص الله تعالى نعم السمع والبصر والعقل بالذكر ، لأن النظر العقلي والإيمان متوقف عليها ، ثم قال سبحانه وتعالى في ختام الآية :

قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ .

أي : إن الناس لم يستخدموا هذه النعم في معرفة الحق سبحانه ، ولذلك آمن قليلهم وكفر أكثرهم .

قال تعالى : وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ . ( يوسف : 103 ) .

وقال عز شأنه : وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ . . . ( ص : 24 ) .

وقال تعالى : وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ . ( سبأ : 13 ) .

وقيل : إن المعنى أن الناس يشكرون الله شكرا قليلا ، وكان أولى بهم أن يكثروا من شكرهم لربهم عرفانا بفضله ، وذكرا لالآئه ، وتلبية لأوامره ، وتبتلا إليه ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . ( الأحزاب ، 41 ، 42 ) .

وقال تعالى : لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ . ( إبراهيم : 7 ) .