التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما أعده للمؤمنين من ثواب فقال : { والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ } الأعمال { الصالحات } التى توافر فيها الإِخلاص والاتباع لهدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقوله : { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ } من باب عطف الخاص على العام ، فقد أفرده بالذكر مع أنه داخل فى الإِيمان والعمل الصالح ، للإِشارة إلى أنه شرط فى صحة الإِيمان ، وللإِشعار بسمو مكانه هذا المنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - وبعلو قدره .

وقوله : { وَهُوَ الحق مِن رَّبِّهِمْ } جملة معترضة ، لتأكيد حقية هذا المنزل على النبى - صلى الله عليه وسلم - وتقرير كماله وصدقه . أى : وهذا المنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الحق الكائن من عند الله - تعالى - رب العالمين ، لا من عند أحد سواه .

وقوله : { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } خبر الموصول ، أى : والذين آمنا وعملوا الأعمال الصالحة ، محا عنهم - سبحانه - ما عملوه من أعمال سيئة ، ولم يعاقبهم عليها ، فضلا منه وكرما .

فقوله : { كَفَّرَ } من الكَفْرِ بمعنى الستر والتغطية ، يقال : كفر الزراع زرعه إذا غطاه ، وستره حماية له مما يضره . به هنا : المحو والإِزالة على سبيل المجاز .

وقوله : { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } معطوف على ما قبله . أى : محا عنهم بسبب إيمانهم وعملهم الصالح ، ما اقترفوه من سيئات ، كما قال - تعالى - : { إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات } ولم يكتف - سبحانه - بذلك ، بل وأصلح أحوالهم وأمورهم وشئونهم ، بأن وفقهم للتوبة الصادقة فى الدنيا ، وبأن منحهم الثواب الجزيل فى الآخرة .

فالمراد بالبال هنا : الحال والأمر والشأن .

قال القرطبى : والبال كالمصدر ، ولا يعرف منه فعل ، ولا تجمعه العرب إلا فى ضرورة الشعر ، فيقولون فيه بالات . .

وهذه الجملة الكريمة وهى قوله : { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } نعمة عظمى لا يحس بها إلا من وهبه الله - تعالى - إياها ، فإن خزائن الأرض لا تنفع صاحبها إذا كان مشتت القلب ، ممزق النفس ، مضطرب المشاعر والأحوال . أما الذى ينفعه فهو راحة البان . وطمأنينة النفس ، ورضا القلب ، والشعور بالأمان والسلام .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ} (2)

ثم قال : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي : آمنت قلوبهم وسرائرهم ، وانقادت جوارحهم وبواطنهم وظواهرهم ، { وَآمَنُوا بِمَا نزلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } ، عطف خاص على عام ، وهو دليل على أنه شرط في صحة الإيمان بعد بعثته صلوات الله وسلامه عليه .

وقوله : { وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } جملة معترضة حسنة ؛ ولهذا قال : { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } قال ابن عباس : أي أمرهم . وقال مجاهد : شأنهم . وقال قتادة وابن زيد : حالهم . والكل متقارب . وقد جاء في حديث تشميت العاطس : " يهديكم الله ويصلح بالكم " {[26606]} .


[26606]:- (2) رواه أبو داود في السنن برقم (5038) والترمذي في السنن برقم (2739) وابن ماجه في السنن برقم (3715) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".