التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم ، فقال : { لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } .

وكلمة { لا جرم } وردت فى القرآن فى خمسة مواضع ، وفى كل موضع كانت متلوة بأن واسمها ، وليس بعدها فعل .

وجمهور النحاة على أنها مركبة من { لا } و { جرم } تركيب خمسة عشر ومعناها بعد التركيب معنى الفعل : حق وثبت ، والجملة بعدها فاعل .

قال الخليل : لا جرم ، كلمة تحقيق ولا تكون إلا جوابا ، يقال : فعلوا ذلك ، فيقال : لا جرم سيندمون .

وقال الفراء : { لا جرم } كلمة كانت فى الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة ، فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم ، وصارت بمنزلة حقا فلذلك يجاب عنها باللام ، كما يجاب بها عن القسم ألا تراهم يقولون لا جرم لآتينك .

والمعنى : حق وثبت أن الله - تعالى - يعلم ما يسره هؤلاء المشركون وما يعلنونه من أقوال وأفعال ، وسيجازيهم على ذلك بما يستحقونه من عقوبات ، لأنه - سبحانه - لا يحب المستكبرين عن الاستجابة للحق ، المغرورين بأموالهم وأولادهم ، الجاحدين لنعم الله وآلائه .

قال القرطبى : قال العلماء : وكل ذنب يمكن التستر منه وإخفاؤه ، إلا الكبر ، فإنه فسق يلزمه الإِعلان ، وهو أصل العصيان كله .

وفى الحديث الصحيح : " إن المتكبرين يحشرون أمثال الذَرِّ يوم القيامة ، يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم " أو كما قال صلى الله عليه وسلم : " تصغر لهم أجسامهم فى المحشر حتى يضرهم صغرها ، وتعظم لهم فى النار حتى يضرهم عظمها " .

وبعد أن أقامت السورة الكريمة الأدلة الساطعة ، على وحدانية الله ، وقدرته ، وعلى بطلان عبادة غيره . . أتبعت ذلك بحكاية بعض أقاويل المشركين ، وردت عليها بما يدحضها ، وببيان سوء عاقبتهم ، وعاقبة أشباههم من قبلهم ، فقال - تعالى - : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ . . . } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

22

والله الذي خلقهم يعلم ذلك منهم . فهو يعلم ما يسرون وما يعلنون . يعلمه دون شك ولا ريب ويكرهه فيهم . ( إنه لا يحب المستكبرين )فالقلب المستكبر لا يرجى له أن يقتنع أو يسلم . ومن ثم فهم مكرهون من الله لاستكبارهم الذي يعلمه من يعلم حقيقة أمرهم ويعلم ما يسرون وما يعلنون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

جملة { لا جرم أن الله يعلم } معترضة بين الجملتين المتعاطفتين .

والجَرم بالتحريك : أصلهُ البُدُّ . وكثر في الاستعمال حتى صار بمعنى حَقّاً . وقد تقدّم عند قوله تعالى : { لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون } في سورة هود ( 22 ) .

وقوله : { أن الله يعلم } في موضع جرّ بحرف جرّ محذوف متعلق ب { جَرَم } . وخبر { لا } النافية محذوف لظهوره ، إذ التقدير : لا جرم موجودٌ . وحذْف الخبر في مثله كثير . والتقدير : لا جرم في أن الله يعلم أو لا جرم من أنه يعلم ، أي لا بدّ من أنه يعلم ، أي لا بدّ من علمه ، أي لا شكّ في ذلك .

وجملة { أن الله يعلم } خبر مستعمل كناية عن الوعيد بالمؤاخذة بما يخفون وما يظهرون من الإنكار والاستكبار وغيرهما بالمُؤاخذة بما يخفون وما يظهرون من الإنكار والاستكبار وغيرهما مؤاخذةَ عقاب وانتقام ، فلذلك عقب بجملة { إنه لا يحب المستكبرين } الواقعةِ موقع التعليل والتذييل لها ، لأن الذي لا يحب فعلاً وهو قادرٌ يجازي فاعله بالسّوء .

والتعريف في { المستكبرين } للاستغراق ، لأن شأن التذييل العموم . ويشمل هؤلاء المتحدّث عنهم فيكون إثبات العقاب لهم كإثبات الشيء بدليله .