التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَلَّاۚ سَنَكۡتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ ٱلۡعَذَابِ مَدّٗا} (79)

ومما لا شك فيه أن كلا الأمرين لم يتحققا بالنسبة له ، فهو لم يطلع على الغيب ، ولم يتخذ عند الله عهدا ، فثبت كذبه وافتراؤه ، ولذا كذبه الله - تعالى - بقوله { كَلاَّ } وهو قول يفيد الزجر والردع والنفى .

أى : كلا لم يطلع على الغيب ، ولم يتخذ عند الرحمن عهدا . بل قال ذلك افتراء على الله .

وقوله - سبحانه - : { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً } بيان للمصير السيىء الذى سيصير إليه هذا الشقى وأمثاله ، و { وَنَمُدُّ } من المد وأكثر ما يستعمل فى المكروه .

أى : سنسجل على هذا الكافر ما قاله ، ونحاسبه عليه حسابا عسيرا ، ونزيده عذابا فوق العذاب المعد له ، بأن نضاعفه له ؛ ونطيله عليه { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } أى : ما يقول إنه يؤتاه يوم القيامة من المال والولد ، بأن نسلبه منه ، ونجعله يخرج من هذه الدنيا خالى الوفاض منهما ، وليس معه فى قبره سوى كفنه ، { وَيَأْتِينَا فَرْداً } أى : ويأتينا يوم القيامة بعد مبعثه منفردا بدون مال أو ولد أو خدم أو غير ذلك مما كان يتفاخر به فى الدنيا هو وأشباهه من المغرورين الجاحدين .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : سنتكب بسين التسويف وهو كما قاله كتبه من غير تأخير قال - تعالى : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } قلت : فيه وجهان : أحدهما : سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله على طريقة قول الشاعر :

إذا ما انتسبنا لم تلدنى لئيمة . . . ولم تجدى من أن تقرى بها بدا

أى : تبين وعلم بالانتساب أنى لم تلدنى لئيمة .

والثانى : أن المتوعد يقول للجانى : سوف أنتقم منك ، يعنى أنه لا يخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان واستأخر ، فجرد ها هنا لمعنى الوعيد . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَلَّاۚ سَنَكۡتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ ٱلۡعَذَابِ مَدّٗا} (79)

ثم يعقب : ( كلا ) . وهل لفظة نفي وزجر . كلا لم يطلع على الغيب ولم يتخذ عند الله عهدا ، إنما هو يكفر ويسخر ؛ فالتهديد إذن والوعيد هو اللائق لتأديب الكافرين السافرين : ( كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ) . . سنكتب ما يقول فنسجله عليه ليوم الحساب فلا ينسى ولا يقبل المغالطة . . وهو تعبير تصويري للتهديد ، وإلا فالمغالطة مستحيلة ، وعلم الله لا تند عنه صغيرة ولا كبيرة . ونمد له من العذاب مدا ، فنزيده منه ونطيله عليه ولا نقطعه عنه !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَلَّاۚ سَنَكۡتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ ٱلۡعَذَابِ مَدّٗا} (79)

و { كلا } زجر ورد ، ثم أخبر تعالى أن قول هذا الكافر سيكتب على معنى حفظه عليه ومعاقبته به . وقرأ «سنكتب » بالنون أبو عمرو والحسن وعيسى{[8036]} ، وقرأ عاصم{[8037]} والأعمش «سيُكتب » بياء مضمومة ، ومد العذاب هو إطالته وتعظيمه .


[8036]:وكذلك قرأها عاصم في رواية حفص عنه.
[8037]:يعني في رواية أبي بكر عنه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَلَّاۚ سَنَكۡتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ ٱلۡعَذَابِ مَدّٗا} (79)

{ كَلاّ } حرف ردع وزجر عن مضمون كلام سابق من متكلّم واحد ، أو من كلام يحكى عن متكلم آخر أو مسموع منه كقوله تعالى : { قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي } [ الشعراء : 61 ، 62 ] .

والأكثر أن تكون عقب آخر الكلام المبطَل بها ، وقد تُقُدِّمَ على الكلام المبطَل للاهتمام بالإبطال وتعجيله والتشويق إلى سماع الكلام الذي سيرد بعدها كما في قوله تعالى : { كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح أسفر إنها لإحدى الكبر } [ المدثر : 32 35 ] على أحد تأويلين ، ولِما فيها من معنى الإبطال كانت في معنى النّفي ، فهي نقيض إي وأجلْ ونحوهما من أحرف الجواب بتقدير الكلام السابق .

والمعنى : لا يقع ما حكى عنه من زعمه ولا من غرُوره ، والغالب أن تكون متبعة بكلام بعدها ، فلا يعهد في كلام العرب أن يقول قائل في ردّ كلام : كَلاّ ، ويسكت .

ولكونها حرف ردع أفادت معنى تامّاً يحسن السكوت عليه . فلذلك جاز الوقف عليها عند الجمهور ، ومنع المبرد الوقف عليها بناء على أنها لا بد أن تُتبع بكلام . وقال الفراء : مواقعها أربعة :

موقع يحسن الوقف عليها والابتداء بها كما في هذه الآية .

وموقع يحسن الوقف عليها ولا يحسن الابتداء بها كقوله : { فأخاف أن يقتلون قال كلا فاذهبا } [ الشعراء : 14 ، 15 ] .

وموقع يحسن فيه الابتداء بها ولا يحسن الوقف عليها كقوله تعالى : { كلا إنها تذكرة } [ عبس : 11 ] .

وموقع لا يحسن فيه شيء من الأمرين كقوله تعالى : { ثم كلا سوف تعلمون } [ التكاثر : 4 ] .

وكلام الفراءيبين أنّ الخلاف بين الجمهور وبين المبرد لفظي لأنّ الوقف أعم من السكوت التام .

وحرف التنفيس في قوله { سنكتب } لتحقيق أنّ ذلك واقع لا محالة كقوله تعالى : { قال سوف أستغفر لكم ربي } [ يوسف : 98 ] .

والمد في العذاب : الزيادة منه ، كقوله : { فليمدد له الرحمان مداً } [ مريم : 75 ] .

و { ما يقول } في الموضعين إيجاز ، لأنه لو حكي كلامه لطال . وهذا كقوله تعالى : { قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم } [ آل عمران : 183 ] ، أي وبقربان تأكله النار ، أي ما قاله من الإلحاد والتهكم بالإسلام ، وما قاله من المال والولد ، أي سنكتب جزاءَه ونهلكه فنرثه ما سمّاه من المال والولد ، أي نرث أعيان ما ذكر أسماءه ، إذ لا يعقل أن يورث عنه قولُه وكلامه . ف { ما يقول } بدل اشتمال من ضمير النصب في { نرثه } ، إذ التقدير : ونرث ولده وماله .