التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (6)

وقوله - تعالى - : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرآن مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } كلام مستأنف سيق بعد بيان بعض صفات القرآن الكريم ، تمهيداً لما سيأتى بعد ذلك من قصص وآداب وأحكام وهدايات .

وقوله { لَتُلَقَّى } من التلقى بمعنى الأخذ عن الغير ، والمراد به جبريل - عليه السلام - .

أى : وإنك - أيها الرسول الكريم - لتتلقى القرآن الكريم بواسطة جبريل - عليه السلام - من لدن ربك الذى يفعل كل شىء بحكمة ليس بعدها حكمة ، ويدبر كل أمر بعلم شامل لكل شىء .

وصدرت هذه الآية الكريمة بحرفى التأكيد - وهما إن ولام القسم - للدلالة على كمال العناية بمضمونه .

والتعبير بقوله { لَتُلَقَّى } يشعر بمباشرة الأخذ عن جبريل - عليه السلام - بأمر الله - تعالى - الحكيم العليم ، كما يشعر بقوته وشدته ، كما فى قوله - سبحانه - : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } وجاء الأسلوب بالبناء للمفعول فى قوله : " تلقى " وحذف الفاعل وهو جبريل للتصريح به فى آيات أخرى منها قوله - تعالى - { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين } وجمع - سبحانه - فى وصفه لذاته بين الحكمة والعلم ، للدلالة على أن هذا القرآن تتجلى فيه كل صفات الإتقان والإحكام ، لأن كلام الحكيم فى أفعاله ، العليم بكل شىء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (6)

وتنتهي مقدمة السورة بإثبات المصدر الإلهي الذي يتنزل منه هذا القرآن على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ( وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ) . .

ولفظ( تلقى )يلقي ظل الهدية المباشرة السنية من لدن حكيم عليم . يصنع كل شيء بحكمة ، ويدبر كل أمر بعلم . . وتتجلى حكمته وعلمه في هذا القرآن . في منهجه ، وتكاليفه ، وتوجيهاته ، وطريقته . وفي تنزيله في إبانه . وفي توالي أجزائه . وتناسق موضوعاته .

ثم يأخذ في القصص . وهو معرض لحكمة الله وعلمه وتدبيره الخفي اللطيف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (6)

«تلقى » تفعل مضاعف لقي يلقى ومعناه تعطى ، كما قال { وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم }{[8979]} [ فصلت : 35 ] قال الحسن المعنى أنك لتقبل القرآن .

قال القاضي أبو محمد : ولا شك أنه يفيض عليه فضل الله تعالى فيقلبه صلى الله عليه وسلم ، وهذه الآية رد على كفار قريش في قولهم إن القرآن من تلقاء محمد صلى الله عليه وسلم بن عبد الله ، و { من لدن } ، معناه من عنده ومن جهته ، و «الحكيم » ذو الحكمة في معرفته حيث يجعل رسالاته وفي غير ذلك لا إله إلا هو .


[8979]:من الآية 35 من سورة فصلت.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (6)

عطف على جملة : { تلك آيات القرآن } [ النمل : 1 ] انتقال من التنويه بالقرآن إلى التنويه بالذي أنزل عليه بأن القرآن آيات دالة على أنه كتاب مبين . وذلك آية أنه من عند الله ، ثم بأنه آية على صدق من أنزل عليه إذْ أنبأه بأخبار الأنبياء والأمم الماضين التي ما كان يعلمها هو ولا قومه قبل القرآن . وما كان يعلم خاصة أهل الكتاب إلا قليلاً منها أكثره محرف . وأيضاً فهذا تمهيد لما يذكر بعده من القصص .

و { تلقّى } مضارع لقاه مبنيٌّ للمجهول ، أي جعله لاقياً . واللُّقيُّ واللقاء : وصول أحد الشيئين إلى شيء آخر قصداً أو مصادفة . والتلقية : جعل الشيء لاقياً غيره ، قال تعالى : { ولقّاهم نضرة وسروراً } [ الإنسان : 11 ] ، وهو هنا تمثيل لحال إنزال القرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحال التلقية كأنَّ جبريل سعَى للجمع بين النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن .

وإنما بني الفعل إلى غير مذكور للعلم بأنه الله أو جبريل ، والمعنى واحد : وهو أنك مؤتى الوحي من لدن حكيم عليم .

وتأكيد الخبر لمجرد الاهتمام لأن المخاطب هو النبي وهو لا يتردد في ذلك ، أو يكون التأكيد موجهاً إلى السامعين من الكفار على طريقة التعريض .

وفي إقحام اسم { لدُن } بين { مِن } و { حكيم } تنبيه على شدة انتساب القرآن إلى جانب الله تعالى ، فإن أصل { لدن } الدلالة على المكان مثل ( عند ) ثم شاع إطلاقها على ما هو من خصائص ما تضاف هي إليه تنويهاً بشأنه ، قال تعالى : { وعلَّمناه من لُدنَّا عِلماً } [ الكهف : 65 ] .

والحكيم : القوي الحكمة ، والعليم : الواسع العلم . وفي التنكير إيذان بتعظيم هذا الحكيم العليم كأنه قيل : من حكيم أيّ حكيم ، وعليم أيّ عليم .

وفي الوصفين الشريفين مناسبة للمعطوف عليه وللممهَّد إليه ، فإن ما في القرآن دليل على حكمة وعلم من أوحى به ، وأن ما يذكر هنا من القصص وما يستخلص منها من المغازي والأمثال والموعظة ، من آثار حكمةٍ وعِلْم حكيمٍ عليم ، وكذلك ما في ذلك من تثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم .