التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِۦۗ قُلۡ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمۡ إِلَى ٱلنَّارِ} (30)

ثم بين - سبحانه - لونا ثالثا من ألوان أعمالهم القبيحة ، وعقائدهم الباطلة فقال { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ . . } .

والأنداد : جمع ند وهو مثل الشئ الذى يضاده وينافره ويتباعد عنه .

وأصله من ند البعير يند - بكسر النون - ندا - بالفتح - إذا نفر وذهب على وجهه شاردا .

وقوله { ليضلوا } قرأ الجمهور - بضم الياء - من أضل غيره إذا جعله ضلالا .

أى : أن هؤلاء الخاسرين لم يكتفوا بمقابلة نعمة الله بالجحود ، وإحلال قومهم دار البوار ، بل أضافوا إلى ذلك أنهم جعلوا لله - تعالى - أمثالا ونظراء ، ليصرفوا غيرهم عن الطريق الحق ، والصراط المستقيم ، الذى هو إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { ليضلوا } - بفتح الياء - أى : ليستمروا فى ضلالهم ، فإنهم حين جعلهم الأنداد لله - تعالى - كانوا ضالين ، وجهلوا ذلك فاستمروا فى ضلالهم توهما منهم أنهم على صواب .

قال صاحب الكشاف : قرئ { ليضلوا } بفتح الياء وضمها . فإن قلت : الضلال لم يكن غرضهم فى اتخاذ الأنداد فما معنى اللام ؟

قلت : لما كان الضلال والإِضلال نتيجة اتخاذا الأنداد ، كما كان الإِكرام فى قولك ، جئتك لتكرمنى نتيجة المجئ ، دخلته اللام ، وإن لم يكن غرضاً ، على طريق التشبيه والتقريب .

وقوله - سبحانه - { قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار } أمر منه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يهددهم بهذا المصير الأليم .

والتمتع بالشئ : الانتفاع به مع التلذذ والميل إليه .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الخاسرين ، تمتعوا بما شئتم التمتع به من شهوات ولذائذ ، فإن مصيركم إلى النار لا محالة .

قال صاحب فتح القدير ما ملخصه : قوله { قُلْ تَمَتَّعُواْ } بما أنتم فيه من الشهوات ، وبما زينته لكم أنفسكم من كفران للنعم { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار } أى : مرجعكم إليها ليس إلا .

ولما كان هذا حالهم ، وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه لا يقلعون عنه . جعل - سبحانه - الأمر بمباشرته مكان النهى عن قربانه . إيضاحا لما تكون عليه عاقبتهم ، وأنهم لا محالة صائرون إلى النار .

فجعله { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار } تعليل للأمر بالتمتع ، وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره .

ويجوز أن تكون هذه الجملة جوابا لمحذوف دل عليه السياق كأنه قيل : قل تمتعوا فإن دمتم على ذلك فإن مصيركم إلى النار .

والأول أولى والنظم القرآنى عليه أدل ، وذلك كما يقال لمن يسعى فى مخالفة السلطان : " اصنع ما شئت من المخالفة فإن مصيرك إلى السيف " .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النار } وقوله - تعالى - : { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ } وقوله - تعالى - { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الذين كَفَرُواْ فِي البلاد . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِۦۗ قُلۡ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمۡ إِلَى ٱلنَّارِ} (30)

28

لقد استبدلوا بنعمة الرسول ودعوته كفرا . وكانت دعوته إلى التوحيد ، فتركوها :

( وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله ) . .

جعلوا لله أقرانا مماثلين يعبدونهم كعبادته ، ويدينون لسلطانهم كما يدينون لسلطانه ، ويعترفون لهم بما هو من خصائص ألوهيته سبحانه !

جعلوا لله هذه الأنداد ليضلوا الناس عن سبيل الله الواحد الذي لا يتعدد ولا تتفرق به السبل .

والنص يشير إلى أن كبراء القوم عمدوا عمدا إلى تضليل قومهم عن سبيل الله ، باتخاذ هذه الأنداد من دون الله . فعقيدة التوحيد خطر على سلطان الطواغيت ومصالحهم في كل زمان . لا في زمن الجاهلية الأولى ، ولكن في زمن كل جاهلية ينحرف الناس فيها عن التوحيد المطلق ، في أية صورة من صور الانحراف ، فيسلمون قيادهم إلى كبرائهم ، وينزلون لهم عن حرياتهم وشخصياتهم ، ويخضعون لأهوائهم ونزواتهم ، ويتلقون شريعتهم من أهواء هؤلاء الكبراء لا من وحي الله . . عندئذ تصبح الدعوة إلى توحيد الله خطرا على الكبراء يتقونه بكل وسيلة . ومنها كان اتخاذ الآلهة أندادا لله في زمن الجاهلية الأولى . ومنها اليوم اتخاذ شرائع من عمل البشر ، تأمر بما لم يأمر الله به ، وتنهى عما لم ينه عنه الله . فإذا واضعوها في مكان الند لله في النفوس المضللة عن سبيل الله ، وفي واقع الحياة !

فيا أيها الرسول( قل )للقوم : ( تمتعوا ) . . تمتعوا قليلا في هذه الحياة إلى الأجل الذي قدره الله . والعاقبة معروفة : ( فإن مصيركم إلى النار ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِۦۗ قُلۡ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمۡ إِلَى ٱلنَّارِ} (30)

و { أنداداً } جمع ند وهو المثيل والمشبه المناوىء والمراد الأصنام .

واللام في قوله : { ليضلوا } - بضم الياء - لام كي ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «ليَضلوا » بفتح الياء - أي هم أنفسهم - فاللام - على هذا - لام عاقبة وصيرورة وقرأ الباقون «ليُضلوا » - بضم الياء - أي غيرهم .

وأمرهم بالتمتع هو وعيد وتهديد على حد قوله : { اعملوا ما شئتم }{[7078]} [ فصلت : 40 ] وغيره .


[7078]:من الآية (40) من سورة (فصلت)، ومثلها في الوعيد والتهديد قوله تعالى: {قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار}، هذا قوله تعالى: [مصيركم] معناه: مرجعكم، فمصيركم مصدر من صار التامة بمعنى رجع، وخبر[إن] هو قوله تبارك وتعالى: {إلى النار}، ولا يقال هنا إن "صار" بمعنى انتقل ولذلك تعدى بإلى، لأنه بذلك تبقى [إن] بدون خبر، قال أبو حيان في "البحر": "ولا ينبغي أن يدعى حذفه فيكون التقدير: فإن مصير كم إلى النار واقع لا محالة، أو كائن، لأن حذف الخبر في مثل هذا التركيب قليل".