روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِۦۗ قُلۡ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمۡ إِلَى ٱلنَّارِ} (30)

{ وَجَعَلُواْ } عطف على { أحلوا } [ إبراهيم : 28 ] أو ما عطف عليه داخل معه في حيز الصلة وحكم التعجيب أي جعلوا في اعتقادهم وحكمهم { لِلَّهِ } الفرد الصمد الذي ليس كمثله شيء وهو الواحد القهار { أَندَاداً } أمثالاً في التسمية أو في العبادة ، وقال الراغب : ند الشيء مشاركة في جوهره وذلك ضرب من المماثلة فإن المثل يقال في أي مشاركة كانت فكل ند مثل وليس كل مثل ندا ، وليس كل مثل نداً ، ولعل المعول عليه هنا ما أشرنا إليه .

{ لِيُضِلُّواْ } قومهم الذين يشايعونهم حسبما ضلوا { عَن سَبِيلِهِ } القويم الذي هو التوحيد ، وقيل : مقتضى ظاهر النظم الكريم أن يذكر كفرانهم نعمة الله تعالى ثم كفرانهم بذاته سبحانه باتخاذ الأنداد ثم إضلالهم لقومهم المؤدى إلى إحلالهم دار البوار ، ولعل تغيير الترتيب لتثنية التعجيب وتكريره والإيذان بأن كل واحد من هذه الهنات يقضي منه العجب ولو سيق النظم على نسق الوجود لربما فهم التعجيب من الجموع ، وله نظائر في الكتاب الجليل ، وقرأ ابن كثير . وأبو عمرو . ورويس عن يعقوب { لِيُضِلُّواْ } بفتح الياء ، والظاهر أن اللام في القراءتين مثلها في قوله تعالى : { فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] وذلك أنه لما كان الاضلال أو الضلال نتيجة للجعل المذكور شبه بالغرض والعلة الباعثة فاستعمل له حرفه على سبيل الاستعارة التبعية قاله غير واحد ؟ وقيل عليه : إن كون الضلال نتيجة للجعل لله سبحانه أنداداً غير ظاهر إذ هو متحد معه أو لازم لا ينفك عنه إلا أن يراد الحكم به أو دوامه . ورد بأنهم مشركون لا يعتقدون أنه ضلال بل يزعمون أنه اهتداء فقد ترتب على اعتقادهم ضده ، على أن المراد بالنتيجة ما يترتب على الشيء أعم من أن يكون من لوازمه أولاً وفيه تأمل { قُلْ } لأولئك الضلال المتعجب منهم { تَمَتَّعُواْ } بما أنتم عليه من الشهوات التي من جملتها تبديل نعمة الله تعالى كفراً واستتباع الناس في الضلال ، وجعل ذلك متمتعاً به تشبيهاً له بالمشتهيات المعروفة لتلذذهم به كتلذذهم بها ، وفي التعبير بالأمر كما قال الزمخشري إيذان بأنهم لانغماسهم بالتمتع بما هم عليه وأنهم لا يعرفون غيره ولا يريدونه مأمورون به قد أمرهم آمر مطاع لا يسعهم أن يخالفوه ولا يملكون لأنفسهم أمراً دونه وهو آمر الشهوة ؛ وعلى هذا يكون قوله تعالى : { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى } جواب شرط ينسحب عليه الكلام على ما أشار إليه بقوله : والمعنى إن دمتم على ما أنتم عليه من الامتثال لآمر الشهوة فإن مصيركم إلى النار ، ويجوز أن يكون الأمر مجازاً عن التخلية والخذلان وأن ذلك الآمر متسخط إلى غاية ، ومثاله أن ترى الرجل قد عزم على أمر وعندك ذلك الأمر خطأ وأنه يؤدي إلى ضرر عظيم فتبالغ في نصحه واستنزاله عن رأيه فإذا لم تر منه إلا الآباء والتصميم حردت عليه وقلت : أنت وشأنك فافعل ما شئت فلا تريد بهذا حقيقة الأمر ولكنك كأنك تقول : فإذ قد أبيت قبول النصيحة فأنت أهل ليقال لك افعل ما شئت وتبعث عليه ليتبين لك إذا فعلت صحة رأي الناصح وفساد رأيك انتهى .

قال صاحب الكشف : إن الوجهين مشتركان في إفادة التهديد لكن الاداء إلى مختلف ، والأول نظير ما إذا أطاع أحد عبيدك بعض من تنقم طريقته فتقول : اطع فلاناً ، وهذا صحيح صدر من المنقوم أمر ومن العبد طاعة أو كان منه موافقة لبعض ما يهواه والقسم الأخير هو ما نحن فيه والثاني ظاهر انتهى .

وظاهر هذا أن التهديد على الوجهين مفهوم من صيغة الأمر ، ويفهم من كلام بعض الأجلة أن ذلك على الوجه الأول من الشرطية وعلى الثاني من الأمر وما في حيز الفاء تعليل له ، ولعل النظر الدقيق قاض بما أفتى به ظاهر ما في الكشف ، وذكر غيرو احد أن هذا كقول الطبيب لمريض يأمره بالاحتماء فلا يحتمي : كل ما تريد فإن مصيرك إلى الموت ؛ فإن المقصود كما قال صاحب الفرائد التهديد ليرتدع ويقبل ما يقول .

وجعل الطيبي ما قرر في المثال هو المراد من قول الزمخشري ان في { لَهُمْ تَمَتَّعُواْ } إيذاناً بأنهم لانغماسهم الخ ، وأنت تعلم أنه ظاهر في الوجه الثاني فافهم . والمصير مصدر صار التامة بمعنى رجع وهو اسم إن و { إِلَى النار } في موضع الخبر ، ولا ينبغى أن يقال : إنه متعلق بمصير وهو من صار بمعنى انتقل ولذا عدى بإلى لأنه يدعو إلى القول بحذف خبر إن وحذفه في مثل هذا التركيب قليل ، والكثير فيما إذا كان الاسم نكرة والخبر جار ومجرور . والحوفي جوز هذا التعلق فالخبر عنده محذوف أي فإن مصيركم إلى النار واقع أو كائن لا محالة .

ثم إنه تعالى لما هدد الكفار وأشار إلى أنهماكهم في اللذة الفانية أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر خلص عباده بالعبادة البدنية والمالية فقال سبحانه :

( ومن باب الإشارة ) :{ وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا } من متاع الدنيا ومشتهياتها التي يحبونها كحب الله سبحانه { لّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ } [ إبراهيم : 30 ] كل من نظر إلى ذلك والتفت إليه