فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِۦۗ قُلۡ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمۡ إِلَى ٱلنَّارِ} (30)

{ وَجَعَلُوا للَّهِ أَندَادًا } معطوف على { وأحلوا } أي : جعلوا لله شركاء في الربوبية ، أو في التسمية وهي الأصنام . قرأ ابن كثير وأبو عمرو «ليضلوا » بفتح الياء أي : ليضلوا أنفسهم عن سبيل الله ، وتكون اللام للعاقبة ، أي : ليتعقب [ جعلهم ] لله أنداداً ضلالهم ، لأن العاقل لا يريد ضلال نفسه ، وحسن استعمال لام العاقبة هنا ؛ لأنها تشبه الغرض والغاية من جهة حصولها في آخر المراتب ، والمشابهة أحد الأمور المصححة للمجاز . وقرأ الباقون بضم الياء ليوقعوا قومهم في الضلال عن سبيل الله ، فهذا هو الغرض من جعلهم لله أنداداً . ثم هدّدهم سبحانه ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ تَمَتَّعُوا } بما أنتم فيه من الشهوات ، وما زينته لكم أنفسكم من كفران النعم وإضلال الناس { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار } أي : مردّكم ومرجعكم إليها ليس إلا ، ولما كان هذا حالهم ، وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه وانهماكهم فيه لا يقلعون عنه ، ولا يقبلون فيه نصح الناصحين ، جعل الأمر بمباشرته مكان النهي قربانه إيضاحاً لما تكون عليه عاقبتهم ، وأنهم لا محالة صائرون إلى النار فلا بدّ لهم من تعاطي الأسباب المقتضية ذلك ، فجملة : { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار } تعليل للأمر بالتمتع ، وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره ، ويجوز أن تكون هذه الجملة جواباً لمحذوف دلّ عليه سياق الكلام ، كأنه قيل : فإن دمتم على ذلك فإن مصيركم إلى النار ، والأوّل أولى والنظم القرآني عليه أدلّ . وذلك كما يقال لمن يسعى في مخالفة السلطان : اصنع ما شئت من المخالفة ، فإن مصيرك إلى السيف .

/خ34