ثم حكى - سبحانه - ما قاله لآدم بعد إباء إبليس عن السجود له فقال : { يآءَادَمُ إِنَّ هذا } أى : إبليس { عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ } بسبب حسده لكما وحقده عليكما { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى } أى : فاحذرا أن تطيعاه ، فإن طاعتكما له ستؤدى بكما إلى الخروج من الجنة ، فيترتب على ذلك شقاؤك ، أى : تعبك فى الحصول على مطالب حياتك .
وأسند سبحانه إلى إبليس الإخراج لهما من الجنة ، لأنه هو المتسبب فى ذلك ، عن طريق الوسوسة لهما ، وطاعتهما له فيما حرضهما عليه وهو الأكل من الشجرة ، وعبر عن التعب فى طلب المعيشة بالشقاء ، لأنه بعد خروجه من الجنة سيقوم بحراثة الأرض وفلاحتها وزرعها وريها . . . ثم حصدها . . . ثم إعداد نتاجها للأكل ، وفى كل ذلك ما فيه من شقاء وكد وتعب .
وقال - سبحانه - : { فتشقى } ولم يقل فتشقيا كما قال { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا } لأن الكلام من أول القصة مع آدم وحده : أو لأن شقاء الرجل يدخل فيه شقاء أهله ، كما أن سعادته سعادتهم ، أو لأنه هو الذى يعود عليه التعب إذ هو المكلف بأن يقدم لها ما تحتاجه من مطالب الحياة . كالمسكن والملبس والمطعم والمشرب .
قال القرطبى ما ملخصه : قوله { فتشقى } يعنى أنت وزوجك لأنهما فى استواء العلة واحد ، ولم يقل : فتشقيا لأن المعنى معروف ، وآدم - عليه السلام - هو المخاطب ، وهو المقصود . وأيضا لما كان هو الكاد عليها والكاسب لها كان بالشقاء أخص .
وفى ذلك تعليم لنا أن نفقة الزوجة على الزوج . فمن يومئذ جرت نفقة النساء على الأزواج ، فلما كانت نفقة حواء على آدم ، كانت كذلك نفقات بناتها على بنى آدم بحق الزوجية . .
( فقلنا : يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك ، فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ، إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ) . .
وكانت هذه رعاية من الله وعنايته أن ينبه آدم إلى عدوه ويحذره غدره ، عقب نشوزه وعصيانه ، والامتناع عن السجود لآدم كما أمره ربه . ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى )فالشقاء بالكد والعمل والشرود والضلال والقلق والحيرة واللهفة والانتظار والألم والفقدان . . كلها تنتظر هناك خارج الجنة ؛ وأنت في حمى منها كلها ما دمت في رحاب الفردوس . .
وقوله تعالى : { فلا يخرجنكما } أي لا يقع منكما طاعة له في إغوائه فيكون ذلك سبب خروجكما { من الجنة } ثم خصص بقوله { فتشقى } من حيث كان المخاطب أولاً والمقصود في الكلام ، وقيل بل ذلك لأن الله تعالى جعل الشقاء في معيشة الدنيا في حيز الرجال وروي أن آدم لما أهبط هبط معه ثور أحمر فكأن يحرك ويمسح العرق فهذا هو الشقاء الذي خوف منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.