التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (80)

وقوله - تعالى - : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعآء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ . . } تعليل آخر لوجول التوكل على الله - تعالى - .

وقد شبه - سحبانه - أولئك المشركين ، بالأموات الذين فقدوا الحياة ، وبالصم الذين فقدوا السمع ، وبالعمى الذين فقدوا البصر ، وذلك لأنهم لم ينتفعوا بهذه الحواس ، فصاروا كالفاقدين لها .

أى : دم - أيها الرسو الكريم - على توكلك على الله - تعالى - وحده ، وإنك لا تستطيع أن تسمع هؤلاء المشركين . ما يردهم عن شركهم ، لأنهم كالموتى الذين لا حس لهم ولا عقل ، ولأنهم كالصم الذين فقدوا نعمة السمع .

وقوله : { إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } لتتميم التشبيه . وتأكيد نفى السماع . أى : إذا أعرضوا عن الحق إعراضا تاما ، وأدبروا عن الاستماع إليك .

قال الجمل : فإن قلت : ما معنى قوله { مُدْبِرِينَ } والأصم لا يسمع سواء أقبل أو أدبر ؟

قلت : هو تأكيد ومبالغة للأصم . وقيل : إن الأصم إذا كان حاضرا قد يسمع رفع الصوت ، أو يفهم بالإشارة ، فإذا ولى لم يسمع ولم يفهم .

ومعنى الآية : إنهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميت ، الذى لا سبيل إلى إسماعه ، وكالأصم الذى با يسمع ولا يفهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (80)

59

ويمضي في تسلية الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وتأسيته على جموح القوم ولجاجهم في العناد وإصرارهم على الكفر بعد الجهد الشاق في النصح والبيان ، وبعد مخاطبتهم بهذا القرآن . . يمضي في تسليته والتسرية عنه من هذا كله ؛ فهو لم يقصر في دعوته . ولكنه إنما يسمع أحياء القلوب الذين تعي آذانهم فتتحرك قلوبهم ، فيقبلون على الناصح الأمين . فأما الذين ماتت قلوبهم ، وعميت أبصارهم عن دلائل الهدى والإيمان ، فما له فيهم حيلة ، وليس له إلى قلوبهم سبيل ؛ ولاضير عليه في ضلالهم وشرودهم الطويل :

( إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) . .

والتعبير القرآني البديع يرسم صورة حية متحركة لحالة نفسية غير محسوسة . حالة جمود القلب ، وخمود الروح ، وبلادة الحس ، وهمود الشعور . فيخرجهم مرة في صورة الموتى ، والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يدعو ، وهم لا يسمعون الدعاء ، لأن الموتى لا يشعرون ! ويخرجهم مرة في هيئة الصم مدبرين عن الداعي ، لأنهم لا يسمعون !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (80)

ثم سلاه عنهم وشبههم ب { الموتى } من حيث الفائدة في القول لهؤلاء وهؤلاء معدومة فشبههم مرة ب { الموتى } ومرة ب { الصم } ، قال العلماء : الميت من الأحياء هو الذي يلقى الله بكفره .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : واحتجت عائشة رضي الله عنها في إنكارها أن النبي صلى الله عليه وسلم أسمع موتى بدر بهذه الآية ، ونظرت هي في الأمر بقياس عقلي ووقفت مع هذه الآية وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما أنتم بأسمع منهم »{[1]} فيشبه أن قصة بدر هي خرق عادة لمحمد عليه السلام في أن رد الله إليهم إدراكاً سمعوا به مقاله ، ولولا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسماعهم لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين منهم .

وقد عورضت هذه الآية بالسلام على القبور وبما روي في ذلك من أن الأرواح تكون على شفير القبور في أوقات قالوا : فلو لم يسمع الميت لم يسلم عليه .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله غير معارض للآية لأن السلام على القبور إنما هو عبادة وعند الله الثواب عليها وهو تذكير للنفس بحالة الموت وبحالة الموتى في حياتهم ، وإن جوزنا مع هذا أن الأرواح في وقت على القبور فإن سمع فليس الروح بميت وإنما المراد بقوله { إنك لا تسمع الموتى } الأشخاص الموجودة مفارقة لأرواحها ، وفيها تقول خرفت العادة لمحمد عليه السلام في أهل القليب وذلك كنحو قوله صلى الله عليه وسلم في الموتى «إذا دخل عليهم الملكان إنهم يسمعون خفق النعال »{[1]} ، وقرأ ابن كثير «ولا يسمع » بالياء من تحت «الصمُّ » رفعاً ومثله في الروم{[2]} ، وقرأ الباقون «تُسمع » بالتاء «الصمَّ » نصباً .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.