فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (80)

{ مدبرين } مولين ظهورهم وأدبارهم من يدعوهم .

{ فتوكل } فاتخذ الله تعالى وكيلا ، وفوض إليه الأمور .

{ المبين } البين ، أو الفاصل بين المحق والمبطل .

{ فتوكل على الله } ففوض إلى المعبود بحق كل الأمور واتخذه وكيلا ، واعتمد عليه فإنه مؤيدك ، ومظهر دينك على الدين كله ، كما هو سنن المرسلين عليهم صلوات رب العالمين : )وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين( {[2952]}{ إنك على الحق المبين } تثبيت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه ، ، وتوكيد لصدق ما جاءهم ، ووضوح حجتهم ، فحقهم بين ظاهر لا خفاء به ، وهو مبين الرشد من الغي ، والراشدين من الغاوين ، { إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } أي عدم استجابتهم لك ليس لخفاء البر فيما دعوتهم إليه ، ولكن لهمود أرواحهم والوقر الذي ضرب على آذانهم ، وتأبيهم عن إحياء أرواحهم بما أتيتهم به ، وإغلاق مسامعهم نفورا عن الإصغاء إليه : )وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب . . ( {[2953]} ، ) . . وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا( {[2954]} )أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي . . ( {[2955]} ) . . لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها . . ( {[2956]} ، مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن : مسألة- وقد احتجت عائشة رضي الله عنها في إنكارها أن النبي صلى الله عليه وسلم أسمع موتى بدر بهذه الآية ؛ فنظرت في الأمر بقياس عقلي ، ووقفت مع هذه الآية ؛ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " ما أنتم بأسمع منهم " قال ابن عطية : فيشبه أن قصة بدر خرق عادة لمحمد صلى الله عليه وسلم في أن رد الله إليهم إدراكا سمعوا به مقاله ، ولولا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسماعهم لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة ، وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين ، قلت : روى البخاري رضي الله عنه حدثني عبد الله بن محمد ، سمع روح بن عبادة قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث- وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال- فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه ، قالوا : ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته ، حتى قام على شفير الركي ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله رسوله ، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ، قال : فقال عمر : يا رسول الله ! ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " . . اه .


[2952]:سورة الأعراف. الآية 87.
[2953]:سورة فصلت. من الآية 5.
[2954]:سورة الإسراء. من الآية 46.
[2955]:سورة الزخرف. من الآية 40.
[2956]:سورة الأعراف. من الآية 179.