الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (80)

فإن قلت : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى } يشبه أن يكون تعليلاً آخر للتوكل ، فما وجه ذلك ؟ قلت : وجهه أن الأمر بالتوكل جعل مسبباً عما كان يغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة المشركين وأهل الكتاب : من ترك اتباعه وتشييع ذلك بالأذى والعداوة ، فلاءم ذلك أن يعلل توكل متوكل مثله ، بأن اتباعهم أمر قد يئس منه ، فلم يبق إلا الاستنصار عليهم لعداوتهم واستكفاء شرورهم وأذاهم ، وشبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس ، لأنهم إذا سمعوا ما يتلى عليهم من آيات الله - فكانوا أقماع القول لا تعيه آذانهم وكان سماعهم كلا سماع - : كانت حالهم - لانتفاء جدوى السماع - كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع ؛ وكذلك تشبيههم بالصمّ الذين ينعق بهم فلا يسمعون . وشبهوا بالعمى حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم ، وأن يجعلهم هداة بصراء إلا الله عز وجل .

فإن قلت : ما معنى قوله : { إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } ؟ قلت : هو تأكيد لحال الأصم ، لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولي عنه مدبراً كان أبعد عن إدراك صوته .