تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (80)

[ الآية 80 ] [ وقوله تعالى ]{[15132]} : { إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } قال بعض أهل التأويل : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى يوم بدر : يا فلان ، ويا فلان ، وهم قتلى بعدما أمر أن يجمعوا في قليب ، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ ألم تكذبوا نبيكم ، وتكفروا بربكم{[15133]} ، وتقطعوا أرحامكم . فأنزل الله تعالى هذه الآية : { إنك لا تسمع الموتى } .

لكن عندنا أن الله تعالى سمى [ الكفرة موتى ]{[15134]} في غير آية{[15135]} من القرآن لما لم يجهدوا أنفسهم في عبادة [ الله ]{[15136]} ولا استعملوها في طاعته . فهم كالموتى ، وسماهم صما لما لم يسمعوا الحق ولم يقبلوه ، وسماهم بكما لما لم ينطقوا بالحق ولا تكلموا به ، وسماهم عميا لما لم يبصروا الحق ، وسماهم موتى لما لم يستعملوا أيديهم في الحق . فنفى عنهم هذه الحواس لما لم ينتفعوا بهذه الحواس ، ولا استعملوها في ما أنشئت وخلقت ، وإن كانت لهم هذه الحواس .

فعلى ذلك سماهم موتى وهلكى ، وفي موضع آخر شبههم بالأنعام ، وأخبر أنهم { أضل } [ الأعراف : 179 ] لما لم يستعملوا أنفسهم في ما أنشئت هي له ، ولم ينتفعوا بها .

فإن قيل : ما معنى قوله : { ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } أخبر أنه لا يقدر على أن يسمع الصم إذا ولوا مدبرين ، ولا يقدر على أن يسمع الصم ، وإن أتوا مقبلين ، ولم يولوا قيل : معناه ، والله أعلم ، أنهم صاروا صما لا ينتفعون بما سمعوا لإعراضهم وترك مكان{[15137]} النظر فيه ، ولو أقبلوا إليه لانتفعوا به ، فيصير مسمعا لهم ؛ يخبر عن شدة تعنتهم ومكابرتهم أنهم كالصم المدبرين ، لا يمكن إسماعهم وتفهيمهم بجهد : بالإشارة والإيماء والله أعلم بذلك .


[15132]:- من م، ساقطة من الأصل.
[15133]:- من م، في الأصل: ربكم.
[15134]:- في الأصل وم: الكافر ميتا.
[15135]:- في الأصل وم: آي.
[15136]:- من م، ساقطة من الأصل.
[15137]:- في الأصل وم: المكان