التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتُهَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (60)

ثم بين - سبحانه - أن هذه الدنيا وما فيها من متاع ، هى شىء زهيد وضئيل بالنسبة لما ادخره - عز وجل - لعباده الصالحين من خيرات ، فقال : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا } .

أى : وما أعطيتموه - أيها الناس - من خير ، وما أصبتموه من مال فهو متاع زائل من أعراض الحياة الدنيا الزائلة وحطامها الذى لا دوام له ، ومهما كثر فهو إلى فناد ، ومهما طال فله نهاية ، فأنتم تتمتعون بزينة الحياة الدنيا ثم تتركونها لغيركم .

{ وَمَا عِندَ الله } - تعالى - من ثواب وعطاء جزيل فى الآخرة ، هو فى نفسه { خَيْرٌ وأبقى } لأن لذته خالصة من الشوائب والأكدار وبهجته لا تنتهى ولا تزول .

{ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } هذه التوجيهات الحكيمة ، وتعملون بمقتضاها ، فإن من شأن العقلاء أن يؤثروا الباقى على الفانى ، والذى هو خير على الذى هو أدنى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتُهَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (60)

44

على أن متاع الحياة الدنيا بكامله ، وعرض الحياة الدنيا جميعه ، وما مكنهم الله فيه من الأرض ، وما وهبهم إياه من الثمرات ، وما يتسنى للبشر كلهم طوال هذه الحياة ، إن هو إلا شيء ضئيل زهيد ، إذا قيس بما عند الله :

( وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها . وما عند الله خير وأبقى . أفلا تعقلون ? ) .

وهذا هو التقويم الأخير لا لما يخشون فوته من الأمن والأرض والمتاع وحده ؛ ولا لما يمن به الله عليهم من التمكين والثمار والأمان وحده ؛ ولا لما وهبه الله للقرى ثم أهلكها بالتبطر فيه وحده . إنما هو التقويم الأخير لكل ما في هذه الحياة الدنيا حتى لو ساغ وحتى لو كمل ، وحتى لو دام ، فلم يعقبه الهلاك والدمار . إنه كله( متاع الحياة الدنيا وزينتها ) . . ( وما عند الله خير وأبقى )خير في طبيعته وأبقى في مدته .

( أفلا تعقلون ? ) . .

والمفاضلة بين هذا وذاك تحتاج إلى عقل يدرك طبيعة هذا وذاك . ومن ثم يجيء التعقيب في هذه الصيغة للتنبيه لإعمال العقل في الاختيار !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتُهَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (60)

ثم خاطب تعالى قريشاً محقراً لما كانوا يفخرون به من مال وبنين وغير ذلك من قوة لم تكن عند محمد صلى الله عليه وسلم ولا عند من آمن به فأخبر تعالى قريشاً أن ذلك متاع الدنيا الفاني وأن الآخرة وما فيها من النعم التي أعدها الله لهؤلاء المؤمنين { خير وأبقى } ، ثم وبخهم بقوله تعالى : { أفلا تعقلون } ، وقرأ الجمهور «أفلا يعقلون » بالياء ، وقرأ أبو عمرو وحده بالتاء من فوق ، وروي عنه بالياء ، كذا قال أبو علي في الحجة ، وذلك خلاف ما حكى أبو حاتم والناس ، فإن نافعاً يقرأ بالتاء من فوق وهي قراءة الأعرج والحسن وعيسى{[9160]} .


[9160]:أجمعت كتب القراءات، وكتب التفسير على أن قراءة الجمهور: [تعقلون] بالتاء على خلاف ما ذكر ابن عطية هنا، ولعل الخطأ من النساخ، أما القراءة بالياء فهي قراءة أبي عمرو، ذكر ذلك القرطبي صراحة، أما البحر المحيط فقد ذكر أن قراءة الجمهور بالتاء من فوق، ثم قال: "ونسب هذه قراءة أبو علي في الحجة إلى أبي عمرو وحده" وبهذا نعرف المصدر الذي أخذ عنه ابن عطية نسبة القراءة بالتاء إلى أبي عمرو وحده، ثم رأيت في كتاب (نشر في القراءات العشر) لابن الجذري ما يوضح الحقيقة، قال: "روى الدوري عن أبي عمرو بالغيب – أي بالياء- واختلف عن السوسي عنه، فالذي قطع له به كثير من الأئمة أصحاب الكتب الغيب كذلك، وهو اختيار الداني وشيخه أبي الحسن بن غلبون، وابن شريح، ومكي، وغيرهم. وقطع له آخرون بالخطاب، كالأستاذ أبي طاهر بن سوار، والحافظ أبي العلاء، وقطع جماعة له وللدوري، وغيرهما عن أبي عمرو بالتخيير بين الغيب والخطاب على السواء، كأبي العباس المهدوي، وأبي القاسم الهزلي – قلت: والوجهان صحيحان عن أبي عمرو من هذه الطرق ومن غيرها، إلا أن الأشهر عنه بالغيب، وبهما آخذ في رواية السوسي لثبوت ذلك عندي عنه نصا وأداء، وبالخطاب قرأ الباقون"، ويتضح من هذا كله أمران: الأول: أن قراءة الجمهور بالتاء من فوق – والثاني أن المنقول عن أبي عمرو موضع خلاف، فمن القراء من نقل القراءة بالتاء كابن عطية، ومنهم من نقل القراءة بالياء، ومنهم من نقل التخيير بين التاء والياء. والله أعلم.