التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ} (56)

ثم تأخذ السورة الكريمة بعد ذلك فى السخرية منهم لغفلتهم عن هذا المصير المحتوم ، الذى سيفاجئهم بما لا يتوقعون . فيقول : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } .

والهمزة فى قوله { أَيَحْسَبُونَ } للاستفهام الإنكارى . و " ما " موصولة ، وهى اسم " أن " وخبرها جملة " نسارع لهم .

. . " والرابط مقدر أى : به .

أى : أيزن هؤلاء الجاهلون . أن ما نعطيهم إياه من مال وبنين ، هو من باب المسارعة منا فى إمدادهم بالخيرات لرضانا عنهم وإكرامنا لهم ؟ كلا : ما فعلنا معهم ذلك لتكريمهم ، وإنما فعلنا ذلك معهم لاستدراجهم وامتحانهم ، ولكنهم لا يشعرون بذلك . ولا يحسون به لانطماس بصائرهم ولاستيلاء الجهل والغرور على نفوسهم .

فقوله - سبحانه - { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } إضراب انتقالى عن الحسبان المذكور وهو معطوف على مقدر ينسحب إليه الكلام .

أى : ما فعلنا ذلك معهم لإكرامنا إياهم كما يظنون ، بل فعلنا ما فعلنا استدارجا لهم ، ولكنهم لا يشعرون لهم ولا إحساس ، وما هم إلا كالأنعام بل هم أضل .

لذا قال بعض الصالحين : من يعص الله - تعالى - ولم ير نقصاناً فيما أعطاه - سبحانه - من الدنيا . فليعلم أنه مستدرج قد مكر به .

وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - : { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ} (56)

53

ويأخذ في التهكم عليهم والسخرية من غفلتهم ، إذ يحسبون أن الإملاء لهم بعض الوقت ، وإمدادهم بالأموال والبنين في فترة الاختبار ، مقصود به المسارعة لهم في الخيرات وإيثارهم بالنعمة والعطاء :

( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات ? )

وإنما هي الفتنة ، وإنما هو الابتلاء :

( بل لا يشعرون ) . .

لا يشعرون بما وراء المال والبنين من مصير قاتم ومن شر مستطير !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ} (56)

{ نسارع لهم في الخيرات } والراجع محذوف والمعنى : أيحسبون أن الذي نمدهم به نسارع به لهم فيما فيه خيرهم وإكرامهم { بل لا يشعرون } بل هم كالبهائم لا فطنة لهم ولا شعور ليتأملوا فيه فيعلموا أن ذلك الإمداد استدراج لا مسارعة في الخير ، وقرىء " يمدهم " على الغيبة وكذلك " يسارع " و " يسرع " ويحتمل أن يكون فيهما ضمير المد به و " يسارع " مبنيا للمفعول .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ} (56)

قوله { نسارع } بنون العظمة ، وفي الكلام على هذه القراءة ضمير عائد تقديره لهم به{[8502]} ، وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة{[8503]} «يسارِع » بالياء من تحت وكسر الراء بمعنى أَن إمدادنا يسارع ولا ضمير مع هذه القراءة إلا ما يتضمن الفعل{[8504]} ، وروي عن أَبي بكرة المذكور «يسارَع » بفتح الراء ، وقرأ الحر النحوي «نسرع » بالنون وسقوط الألف ، و { الخيرات } هنا يعم الدنيا ، وقوله { بل لا يشعرون } وعيد وتهديد ، والشعور مأخوذ من الشعار وهو ما يلي الإنسان من ثيابه .


[8502]:وقد حذفت "به" للعلم بها، وهذا كما حذف الضمير في قولهم: "السمن منوان بدرهم، وكأن [به] المتقدمة في الصلة من قوله تعالى: {نمدهم به} قد صارت عوضا أو مغنية عن الثانية.
[8503]:هو عبد الرحمن بن أبي بكر الثقفي، أول مولود بالبصرة، روى عن أبيه، وروى عنه ابن سيرين وجماعة، وثقه ابن حجر العسقلاني، من الثانية، واسمه نفيع ـ بالتصغير ـ ابن الحارث. مات سنة ست وثلاثين، وقيل: بل سنة ست وثلاثين بعد المائة. (تهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب، وخلاصة تذهيب الكمال).
[8504]:أي: لا حاجة إلى تقدير الضمير، لأن في الفعل ضميرا يعود على [ما] في قوله تعالى: {أنما نمدهم به}. قال ذلك أبو الفتح ابن جني في المحتسب.