الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ} (56)

قوله تعالى : " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين " " ما " بمعنى الذي ، أي أيحسبون يا محمد أن الذي نعطيهم في الدنيا من المال والأولاد هو ثواب لهم ، إنما هو استدراج وإملاء ، ليس إسراعا في الخيرات . وفي خبر " أن " ثلاثة أقوال ، منها أنه محذوف . وقال الزجاج : المعنى نسارع لهم به في الخيرات ، وحذفت به . وقال هشام الضرير قولا دقيقا ، قال : " أنما " هي الخيرات ، فصار المعنى : نسارع لهم فيه ، ثم أظهر فقال " في الخيرات " ، ولا حذف فيه على هذا التقدير . ومذهب الكسائي أن " أنما " حرف واحد فلا يحتاج إلى تقدير حذف ، ويجوز الوقف على قول " وبنين " . ومن قال " أنما " حرفان فلا بد من ضمير يرجع من الخبر إلى اسم " أن " ولم يتم الوقف على " وبنين " . وقال السختياني : لا يحسن الوقف على " وبنين " ؛ لأن " يحسبون " يحتاج إلى مفعولين ، فتمام المفعولين " في الخيرات " قال ابن الأنباري : وهذا خطأ ؛ لأن " أن " كافية من اسم أن وخبرها ولا يجوز أن يؤتى بعد " أن " بمفعول ثان . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعبد الرحمن بن أبي بكرة " يسارع " بالياء ، على أن يكون فاعله إمدادنا . وهذا يجوز أن يكون على غير حذف ، أي يسارع لهم الإمداد . ويجوز أن يكون فيه حذف ، ويكون المعنى يسارع الله لهم . وقرئ " يسارع لهم في الخيرات " وفيه ثلاثة أوجه : أحدها على حذف به . ويجوز أن يكون يسارع الأمداد . ويجوز أن يكون " لهم " اسم ما لم يسم فاعله ، ذكره النحاس . قال المهدوي : وقرأ الحر النحوي " نسرع لهم في الخيرات " وهو معنى قراءة الجماعة . قال الثعلبي : والصواب قراءة العامة ؛ لقوله " نمدهم " . " بل لا يشعرون " أن ذلك فتنة لهم واستدراج .