الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ} (56)

و " نُسارعُ " خبرُ " أنَّ " والعائدُ من هذه الجملةِ إلى اسم " أنَّ " محذوفٌ تقديرُه : نُسارِعُ لهم به ، أو فيه ، إلاَّ أنَّ حَذْفَ مثلِه قليلٌ . وقيل : الرابطُ بين هذه الجملةِ باسم " أنَّ " هو الظاهرُ الذي قامَ مقامَ الضميرِ مِنْ قولِه " في الخيرات " ، إذ الأصل : نُسارِعُ لهم فيه ، فأوقع " الخيرات " موقعَه تعظيماً وتنبيهاً على كونِه من الخيرات . وهذا يَتَمَشّى على مذهبِ الأخفشِ ؛ إذ يَرَى الرَّبْطَ بالأسماءِ الظاهرةِ ، وإن . لم يكنْ بلفظِ الأولِ ، فيُجيز " زيد الذي قام أبو عبد الله " إذا كان " أبو عبد الله " كنيةَ " زيد " . وتقدَّمَتْ منه أمثلةُ . قال أبو البقاء : " ولا يجوزُ أَنْ يكونَ الخبرُ " مِنْ مالٍ " لأنه كان " مِنْ مال " ، فلا يُعاب عليهم [ ذلك ، وإنما يعابُ عليهم ] اعتقادُهم أنَّ تلك الأموالَ خيرٌ لهم " .

الثاني : أن تكونَ " ما " مصدريةً فينسَبِكُ منه ومِمَّا بعدَها مصدرٌ هو اسم " أنَّ " و " نُسارع " هو الخبرُ . وعلى هذا فلا بُدَّ مِنْ حَذْفِ " أنْ " المصدريةِ قبل " نُسارع " ليصِحَّ الإِخبارُ ، تقديرُه : أَنْ نسارعَ . فلمَّا حُذِفَتْ " أنْ " ارتفعَ المضارعُ بعدَها . والتقديرُ : أَيَحْسَبون أنَّ إِمْدادَنا لهم من كذا مسارعةٌ منَّا لهم في الخيرات . والثالث : أنها مُهَيِّئَة كافَّةٌ . وبه قال الكسائي في هذه/ الآية وحينئذٍ يُوقف على " وَبَنِين " لأنه قد حَصَل بعد فِعْلِ الحُسْبانِ نسبةٌ مِنْ مسندٍ ومسندٍ إليه نحو : حَسِبْتُ أنَّما ينطلق عمروٌ ، وأنما تقومُ أنت .

وقرأ يحيى بنُ وَثَّاب " إنما " بكسرِ الهمزة على الاستئنافِ ، ويكونُ حَذْفُ مفعولَي الحُسْبان اقتصاراً أو اختصاراً . وابنُ كثيرٍ في روايةٍ " يُمِدُّهم " بالياءِ ، وهو اللهُ تعالى . وقياسُه أَنْ يقرأ " يُسارع " بالياء أيضاً . وقرأ السلمي وابن أبي بكرةَ " يُسارع " بالياءِ وكسرِ الراء . وفي فاعِله وجهان ، أحدُهما : الباري تعالى ، الثاني : ضميرُ " ما " الموصولة إنْ جَعَلْناها بمعنى الذي ، أو على المصدرِ إنْ جَعَلْناها مصدريةً . وحينئذٍ يكون " يسارِعُ لهم " الخبرَ . فعلى الأولِ يُحتاجُ إلى تقديرِ عائدٍ أي : يُسارع اللهُ لهم به أو فيه . وعلى الثاني لا يُحْتاج إذ الفاعلُ ضميرُ " ما " الموصولةِ .

وعن أبي بكرة المتقدمِ أيضاً " يُسارَع " بالياء مبنياً للمفعول و " في الخيرات " هو القائمُ مَقامَ الفاعل . والجملةُ خبرُ " أنَّ " والعائدُ محذوفٌ على ما تقدَّم ، وقرأ الحسن " نُسْرع " بالنون مِنْ " أَسْرَعَ " وهي ك " نُسارع فيما تقدَّم .

و { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } إضرابٌ عن الحُسْبانِ المُسْتفهمِ عنه استفهامَ تقْريعٍ ، وهو إضرابُ انتقالٍ .