فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ} (56)

{ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ } أي فيما فيه خيرهم وإكرامهم ، قال الزجاج : المعنى نسارع لهم به في الخيرات فحذفت به و { ما } في { أنما } موصولة والرابط هو هذا المحذوف ، وقال الكسائي : إن { أنما } هو حرف واحد فلا تحتاج إلى رابط ، وقرئ يسارع بالتحية على أن فاعله هو الإمداد أو يسارع الله لهم ، وقرئ بالنون ، قال الثعلبي : وهذه هي الصواب لقوله : { نمدهم } وهذه الآية حجة على المعتزلة في مسألة الأصلح ، لأنهم يقولون : إن الله لا يفعل بأحد من الخلق إلا ما هو أصلح له في الدين ، وقد أخبر أن ذلك ليس بخير لهم في الدين ولا أصلح .

{ بَلْ لا يَشْعُرُون } عطف على مقدر ينسحب إليه الكلام أي إضراب انتقالي عن الحسبان المستفهم عنه ، استفهام تقريع ، والمعنى كلا لا نفعل ذلك ، بل هم لا يشعرون بشيء أصلا كالبهائم التي لا تفهم ولا تعقل ، فإن ما خولناهم من النعم وأمددناهم به من الخيرات ، إنما هو استدراج لهم واستجرار إلى زيادة الإثم ليزدادوا إثما ، كما قال سبحانه { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ، ولما نفى سبحانه الخيرات الحقيقية عن الكفرة المتنعمين أتبع ذلك بذكر من هو أهل للخيرات عاجلا وآجلا فوصفهم بصفات أربع .