التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ} (56)

قوله : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات ) الاستفهام للإنكار والتوبيخ . والمعنى : أيحسب هؤلاء الضالون الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا مختلفة تائهة واهمة ، أن الذي أمدهم الله به في عاجل هذه الدنيا من مال وبنين نبادر فيه تكريما لهم وإسراعا لهم في الخير . ليس كذلك ؛ بل كان ذلك استدراجا لهم وإملاء . ولهذا قال : ( بل لا يشعرون ) أي لا يعلمون أن إمداد الله لهم بما أمدهم به من مال وبنين إنما كان استدراجا لهم وإمهالا .

( بل لا يشعرون ) أي لا يعلمون أن إمداد الله لهم بما أمدهم به من مال وبنين إنما كان استدراجا لهم وإمهالا . إن إمداد الناس بالمال لا يدل على فضلهم عند ربهم أو أنهم مرضي عنهم من الله . فلا يصلح المال أو الولد أو الجاه أو السلطان ، سببا لكرامة الإنسان عند الله أو أن ذلك مشعر بتقواه وصلاحه وحسن مصيره . وإنما الصلاح أو حسن المصير مرهون بالتقوى وعمل الصالحات . والله جل وعلا إنما يرزق المؤمنين وغير المؤمنين . فقد روى الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن مسعود ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله ( ص ) : " إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب فمن أعطاه الدين فقد أحبه . والذي نفس محمد بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه " قالوا : وما بوائقه يا رسول الله ؟ قال : " غشمه{[3177]} وظلمه . ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار . إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث " {[3178]} .


[3177]:- الغشم- بضم الغين- معناه الظلم الشديد. انظر العجم الوسيط جـ 2 ص 653.
[3178]:- تفسير الطبري جـ17 ص 23، 24 وفتح القدير جـ3 ص 486 وتفسير ابن كثير جـ3 ص 247.