التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَدۡ خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا} (14)

وقوله - سبحانه - بعد ذلك حكاية عن نوح - عليه السلام - : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } : بيان لما سلكه نوح فى دعوته لقومه ، من جمعه بين الترغيب والترهيب .

فهو بعد أن أرشدهم إلى أن استغفارهم وطاعتهم لربهم ، تؤدى بهم إلى البسطة فى الرزق . . أتبع ذلك بزجرهم لسوء أدبهم مع الله - تعالى - منكرا عليهم استهتارهم واستخفافهم بما يدعوهم إليه .

وقوله : { مَّا لَكُمْ } مبتدأ وخبر ، وهو استفهام قصد به توبيخهم والتعجيب من حالهم .

ولفظ " ترجون " يرى بعضهم أنه بمعنى تعتقدون . والوقار معناه : التعظيم والإِجلال .

والأطوار : جمع طور ، وهو المرة والتارة من الأفعال والأزمان .

أى : ما الذى حدث لكم - أيها القوم - حتى صرتم لا تعتقدون لله - تعالى - عظمة أو إجلالا ، والحال أنه - سبحانه - هو الذى خلقكم وأوجدكم فى أطوار متعددة ، نطفة ، فعلقة ، فمضغة .

كما قال - سبحانه - { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المضغة عِظَاماً فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين } وكما قال - تعالى - { الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ العليم القدير } قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } قيل : الرجاء هنا بمعنى الخوف .

أى : مالكم لا تخافون لله عظمة وقدرة على أخذكم بالعقوبة .

وقيل : المعنى : ما لكم لا تعلمون لله عظمة . . أولا ترون لله عظمة . . أو لا تبالون أن لله عظمة .

. والوقار : العظمة ، والتوقير : التعظيم . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَدۡ خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا} (14)

ونمضي مع نوح في جهاده النبيل الطويل . فنجده يأخذ بقومه إلى آيات الله في أنفسهم وفي الكون من حولهم ، وهو يعجب من استهتارهم وسوء أدبهم مع الله ، وينكر عليهم ذلك الإستهتار :

( ما لكم لا ترجون لله وقارا ? وقد خلقكم أطوارا ? ) . .

والأطوار التي يخاطب بها قوم نوح في ذلك الزمان لا بد أن تكون أمرا يدركونه ، أو أن يكون أحد مدلولاتها مما يملك اولئك القوم في ذلك الزمان أن يدركوه ، ليرجو من وراء تذكيرهم به أن يكون له في نفوسهم وقع مؤثر ، يقودهم إلى الاستجابة . والذي عليه أكثر المفسرين أنها الأطوار الجنينية من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى الهيكل إلى الخلق الكامل . . وهذا يمكن أن يدركه القوم إذا ذكر لهم . لأن الأجنة التي تسقط قبل اكتمالها في الأرحام يمكن أن تعطيهم فكرة عن هذه الأطوار . وهذا أحد مدلولات هذه الآية . ويمكن أن يكون مدلولها ما يقوله علم الأجنة . من أن الجنين في أول أمره يشبه حيوان الخلية الواحدة ، ثم بعد فترة من الحمل يمثل الجنين شبه الحيوان المتعدد الخلايا . ثم يأخذ شكل حيوان مائي . ثم شكل حيوان ثديي . ثم شكل المخلوق الإنساني . . وهذا أبعد عن إدراك قوم نوح . فقد كشف هذا حديثا جدا . وقد يكون هذا هو مدلول قوله تعالى في موضع آخر بعد ذكر أطوار الجنين : ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين . . كما أن هذا النص وذاك قد تكون لهما مدلولات أخرى لم تتكشف للعلم بعد . . ولا نقيدهما . .

وعلى أية حال فقد وجه نوح قومه إلى النظر في أنفسهم ، وأنكر عليهم أن يكون الله خلقهم أطوارا ، ثم هم بعد ذلك لا يستشعرون في أنفسهم توقيرا للجليل الذي خلقهم . . وهذا أعجب وأنكر ما يقع من مخلوق !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَدۡ خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا} (14)

وقد خلقككم أطوارا حال مقررة للإنكار من حيث إنها موجبة للرجاء فإنه خلقهم أطوارا أي تارات إذ خلقهم أولا عناصر ثم مركبات تغذي الإنسان ثم أخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم أنشأهم خلقا آخر فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى فيعظمهم بالثواب وعلى أنه تعالى عظيم القدرة تام الحكمة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَدۡ خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا} (14)

وقوله تعالى : { وقد خلقكم أطواراً } قال ابن عباس ومجاهد : هي إشارة إلى التدريج الذي للإنسان في بطن أمه من النطفة والعلقة والمضغة ، وقال جماعة من أهل التأويل هي إشارة إلى العبرة في اختلاف ألوان الناس وخلقهم وخلقهم ومللهم ، والأطوار : الأحوال المختلفة . ومنه قول النابغة : [ البسيط ]

فإن أفاق فقد طارت عمايته . . . والمرء يخلق طوراً بعد أطوار{[11347]}


[11347]:هذا البيت من قصيدة نابغة بني ذبيان التي بدأها بقوله: (عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار)، يصف بيت "نعم" حبيبته بعد أن رحلت عنه ولم تترك غير الذكريات الحلوة،والضمير في (أفاق) يعود على قلبه، والعماية: الضلال، يقول: لولا ما كان بيني وبين نعم من صلات ومحبة لأقصر قلبي عن حبها، فإن أفاق من الهوى فلا عجب في ذلك فقد طالت ضلالته، والمرء يمكن أن يتبدل وتتغير أحواله، فهو كقول الآخر: (صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله).