تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَدۡ خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا} (14)

الآية14 : وقوله تعالى : { وقد خلقكم أطوارا } فمن حمل قوله : { ما لكم لا ترجون لله وقارا } ؟ على حقيقة الرجاء فتأويله : كيف لا ترجون أن يعظم قدركم عند الله عز وجل ، إذا أجبتم إلى ما دعاكم إليه ، وفي ما ذكر من خلقه إياهم أطوارا تذكير لهم حسن صنيعه لهم في ما قلّبهم من حال إلى حال من أول ما أنشأهم إلى حالهم التي هم فيها ، وكيف لا يرجون إحسانه في حادث الأوقات إذا أقبلوا على طاعته ، واشتغلوا بعبادته ؟ .

وإن كان قوله عز وجل{ ما لكم لا ترجون لله وقارا } على الخوف ففي ما ذكر من قوله عز وجل : { وقد خلقكم أطوارا } تذكير العظمة والسلطان والقدرة ، وهو أنه [ خلقكم ]{[22195]} وبرأكم في تلك الظلمات الثلاث ، ولم تخف عليه أحوالكم فيها ، بل قلبكم من حال إلى حال كيف شاء ، فكيف تخفى عليه أفعالكم في حال بروزكم وظهوركم ؟ فيكون في ذكر هذا تنبيه أن الله تعالى ، لا يخفى عليه شيء من أعمال الخلق ، فيدعو ذلك إلى المراقبة ، ويلزم التيقظ والتبصرة في كل حال لئلا يتعدى بأحد ]{[22196]} حدود الله ، ولا يضيع حقوقه ، فيحل به البوار والهلاك .

فإذا حمل التأويل على الرجاء كان فيه تذكير عظيم نعمه عليهم من أول ما أنشأهم إلى الوقت الذي انتهوا إليه ، فيحملهم ذلك على طلب ما يشرف قدرهم عند الله تعالى ، وتحمد عاقبتهم .

وإن حملته على الخوف كان فيه تذكير القدرة والسلطان ، فيحملهم على المراقبة والاتقاء في حادث الأوقات .

ومن حمل قوله عز وجل : { وقارا } على العبادة فهو يخرج على غير الوجهين اللذين ذكرناهما في الخوف والرجاء إذا صرف إليهما التأويل ؛ كأنه يقول : إن الذي خلقكم أطوارا ، قد تعلمون أنه حكيم[ ومن هو حكيم ]{[22197]} لا يسفه[ ومن ]{[22198]} ترككم سدى لا يأمركم ، ولا ينهاكم ، ولا يستأدي منكم شكر النعم ، سفه . فيكون في ذكر هذا ترغيب في العبادة وإخلاص الطاعة ، ويكون في ذكر هذا أيضا تثبيت الربوبية وإلزام القول/ 599 ب/ بالوحدانية ، لأنه أنشأهم من أول ما أنشأهم نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن خلقهم بشرا سويا .

فلو لم يكن المدبر والمنشئ واحدا لكان يعجز عن تقليبه من حال على حال ، لأنه إذ أراد أن ينشئ من النطفة علقة ومن العلقة مضغة كان للآخر أن يمنعه عن تدبيره ، فلا يتهيأ له إنشاء علقة ولا مضغة .

فارتفاع المانع دليل على أن لا مدبر سواه ، ولا خالق غيره . فإذا ثبت[ انفراده بما ذكرنا ثبت ]{[22199]} أنه هو المستحق للعبادة من الخلائق .

وقال بعضهم : معنى قوله : { وقد خلقكم أطوارا } أي بمختلف الأخلاق والصور والألوان والألفاظ والأصوات والنعم حتى لا ترى أحدا يشبه آخر بجميع خلقته . وهذا من عظيم ما يستدل به على قدرة الله وحكمته ، والله الموفق .


[22195]:ساقطة من الأصل و م.
[22196]:ساقطة من الأصل و م.
[22197]:ساقطة من الأصل و م.
[22198]:في الأصل و م:و.
[22199]:من م، ساقطة من الأصل.