إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَدۡ خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا} (14)

{ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } أي والحالُ أنكم على حالٍ منافيةٍ لما أنتُم عليهِ بالكليةِ وهيَ أنكم تعلمونَ أنَّه تعالَى خلقَكُم تاراتٍ عناصرَ ثم أغذيةً ثم أخلاطاً ثم نُطفاً ثم علَقاً ثم مُضَغاً ثم عظاماً ولحوماً ثم أنشأ كم خلقاً آخرَ فإن التقصيرَ في توقيرِ مَنْ هذهِ شؤونُهُ في القدرةِ القاهرةِ والإحسانِ التامِّ مع العلمِ بها مِمَّا لا يكادُ يصدرُ عن العاقلِ . هَذا وقد قيلَ الرجاءُ بمعنى الأملِ أي ما لكُم لا تُؤمِّلُونَ لهُ تعالَى توقيراً أي تعظيماً لمن عبدَهُ وأطاعَهُ ولا تكونونَ على حالٍ تُؤمِّلُونَ فيها تعظيمَ الله تعالَى إيَّاكُم في دارِ الثوابِ ، ولله بيانٌ للموقّرِ ولو تأخرَ لكانَ صلةً للوقارِ والأولُ هو الذي تستدعيهِ الجزالةُ التنزيليةُ فإن اللائقَ بحالِ الكفرةِ استبعادُ أنْ لا يعتقدُوا وقاراً لله تعالَى وعظمتِهِ مع مشاهدَتِهِم لآثارِهَا وأحكامِهَا الموجبةِ للاعتقادِ حَتْماً ، وأمَّا عدمُ رجائِهِم لتعظيمِ الله إيَّاهُم في دارِ الثوابِ فليسَ في حيزِ الاستبعادِ والإنكارِ معَ أنَّ في جعلِ الوقارِ بمَعْنَى التوقيرِ من التعسفِ ، وفي قولِهِ ولله بيانٌ للموقَّرِ ولو تأخرَ لكانَ صلةً للوقارِ من التناقضِ ما لا يَخْفى فإنَّ كونَهُ بياناً للموقِّرِ يقتضِي أنْ يكونَ التوقيرُ صادراً عنْهُ تعالَى والوقارَ وصفاً للمخاطبينَ وكونُهُ صلةً للوقارِ يوجبُ كونَ الوقارِ وصفاً لهُ تعالَى وقيلَ ما لكُم لا تخافونَ لله عظمةً وقدرةً على أخذِكُم بالعقوبةِ أيْ أيُّ عُذرٍ لكُم في تركِ الخوفِ منهُ تعالَى . وعن سعيدِ بنِ جُبيرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُمَا ما لكُم لا تخشُونَ لله عقاباً ولا ترجونَ منْهُ ثَواباً ، وعن مجاهدٍ والضحَّاكِ ما لكُم لا تُبالونَ لله عظمةً ، قال قُطْربٌ هيَ لغةٌ حجازيةٌ يقولونَ لم أَرْجُ أيْ لم أبالِ .