التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (74)

وقوله - سبحانه - { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال . . } نهي منه - سبحانه - عن أن يشبه في ذاته أو صفاته بغيره ، وقد جاء هذا النهي في صورة الالتفات من الغائب إلى المخاطب ؛ للاهتمام بشأن هذا النهي ، والفاء لترتيب النهي على ما عدد من النعم التي وردت فى هذه السورة ، والتي لم ينته الحديث عنها بعد .

والأمثال : جمع مثل ، وهو النظير والشبيه لغيره ، ثم أطلق على القول السائر المعروف ، لمماثلة مضربه - وهو الذي يضرب فيه - ، لمورده - وهو الذي ورد فيه أولا .

وتضرب الأمثال : لتوضيح الشيء الغريب ، وتقريب المعنى المعقول من المعنى المحسوس ، وعرض ما هو غائب في صورة ما هو مشاهد ، فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب ، وأثبت في النفوس .

وقوله - تعالى - : { إِنَّ الله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ، تعليل لهذا النهي عن ضرب الأمثال لله - عز وجل - .

أي : فلا تتجاسروا ، وتتطاولوا ، وتضربوا لله - تعالى - الأمثال ، كما يضرب بعضكم لبعض ، فإن الله - تعالى - هو الذي يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك .

قال الزجاج : ورد أن المشركين كانوا يقولون : إن إله العالم أجل من أن يعبده الواحد منا ، فكانوا يتوسلون إلى الأصنام والكواكب ، كما أن أصاغر الناس يخدمون أكابر حضرة الملك ، وأولئك الأكابر يخدمون الملك ، فنهوا عن ذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (74)

51

ثم يجعلون لله الأشباه والأمثال !

( فلا تضربوا لله الأمثال . إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ) . .

إنه ليس لله مثال ، حتى تضربوا له الأمثال .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (74)

{ فلا تضربوا لله الأمثال } ، فلا تجعلوا له مثلا تشركون به ، أو تقيسونه عليه ؛ فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال . { إن الله يعلم } ؛ فساد ما تعولون عليه من القياس ، على أن عبادة عبيد الملك أدخل في التعظيم من عبادته وعظم جرمكم فيما تفعلون . { وأنتم لا تعلمون } ، ذلك ، ولو علمتموه لما جرأتم عليه ، فهو : عليم للنهي ، أو أنه يعلم كنه الأشياء ، وأنتم لا تعلمونه ، فدعوا رأيكم دون نصه ، ويجوز أن يراد : فلا تضربوا لله الأمثال ، فإنه يعلم كيف تضرب الأمثال ، وأنتم لا تعلمون .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (74)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فلا تضربوا لله الأمثال}، يعني: الأشباه، فلا تصفوا مع الله شريكا، فإنه لا إله غيره،

{إن الله يعلم} أن ليس له شريك،

{وأنتم لا تعلمون} أن لله شريكا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

{فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ الأَمْثالَ} يقول: فلا تمثلوا لله الأمثال، ولا تشبّهوا له الأشباه، فإنه لا مِثْل له ولا شِبْه...

{إنّ اللّهَ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمونَ} يقول: والله أيها الناس يعلم خطأ ما تمثلون وتضربون من الأمثال وصوابه، وغير ذلك من سائر الأشياء، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فلا تضربوا لله الأمثال}، أي: لا تتخذوا لله أمثالا من الخلق، وأشباها في ألوهيته وعبادته، أو لا تقولوا لله: إن له أشباها وأمثالا... أو يقول: فلا تجعلوا لله أمثالا في العبادة...

{إن الله يعلم}، أن لا مثل له من الخلق ولا شبه.

{وأنتم لا تعلمون} ذلك. أو إن الله يعلم بمصالحكم، وأنتم لا تعلمون ما به صلاحكم وهلاككم...

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

وذلك أن ضرب المثل، إنما هو: تشبيه ذات بذات، أو وصف بوصف، والله تعالى منزه عن ذلك...

{إن الله يعلم}، ما يكون قبل أن يكون،

{وأنتم لا تعلمون}، قدر عظمته حيث أشركتم به...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال}، تمثيل للإشراك بالله والتشبيه به؛ لأنّ من يضرب الأمثال، مشبه حالا بحال، وقصة بقصة، {أَنَّ الله يَعْلَمُ}: كنه ما تفعلون وعظمه، وهو: معاقبكم عليه بما يوازيه في العظم؛ لأنّ العقاب على مقدار الإثم، {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، كنهه وكنه عقابه، فذاك هو الذي جرّكم إليه وجرأكم عليه، فهو تعليل للنهي عن الشرك. ويجوز أن يراد: فلا تضربوا لله الأمثال، إنّ الله يعلم كيف يضرب الأمثال، وأنتم لا تعلمون.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

هذا النهي عام في كل مثل؛ لخطر الأمر، خشية أن يكون ذلك المثل غير لائق بمقداره، وقد تقرر أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، لا سيما في هذا؛ لأن الخطأ فيه كفر... ويدل على ذلك تعليل الحكم، بقوله تعالى: {إن الله}، أي: الذي له الأمر كله ولا أمر لغيره، {يعلم}، أي: له جميع صفة العلم، فإذا ضرب مثلاً أتقنه بإحاطة علمه، بحيث لا يقدر غيره أن يبدي فرقاً ما بين الممثل والممثل به في الأمر الممثل له، {وأنتم لا تعلمون}، أي: ليس لكم علم أصلاً، فلذلك تعمون عن الشمس، وتلبّس عليكم ما ليس فيه لبس، وهذا المقام عال ومسلكه وعر، وسالكه على غاية من الخطر...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال}، التفاتٌ إلى الخطاب؛ للإيذان بالاهتمام بشأن النهي، أي: لا تشركوا به شيئاً، والتعبيرُ عن ذلك بضرب المثَل؛ للقصد إلى النهي عن الإشراك به تعالى في شأن من الشؤون...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تفريع على جميع ما سبق من الآيات والعبر والمنن، إذ قد استقام من جميعها انفراد الله تعالى بالإلهية، ونفي الشريك له فيما خلق وأنعم، وبالأولى نفي أن يكون له ولد وأن يشبه بالحوادث؛ فلا جرم استتبّ للمقام أن يفرع على ذلك زجر المشركين عن تمثيلهم غير الله بالله في شيء من ذلك، وأن يمثّلوه بالموجودات...

ووجه كون الإشراك ضرب مثل لله أنهم أثبتوا للأصنام صفات الإلهية وشبّهوها بالخالق، فإطلاق ضرب المثل عليه مثل قوله تعالى: {وقالوا أءالهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً} [سورة الزخرف: 58]. وقد كانوا يقولون عن الأصنام هؤلاء شفعاؤنا عند الله، والملائكة هنّ بنات الله من سروات الجِنّ، فذلك ضرب مثل وتشبيه لله بالحوادث في التأثّر بشفاعة الأكفاء والأعيان والازدهاء بالبنين...

وفي قوله تعالى: {وأنتم لا تعلمون} استدعاء لإعمال النّظر الصحيح ليصلوا إلى العلم البريء من الأوهام...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

الأمثال: جمع مثل، وهو الند والنظير. وفي الآية نهي عن أن نشبه الله سبحانه بشيء آخر؛ لأن الحق تبارك وتعالى واحد في ذاته، واحد في صفاته، واحد في أفعاله.. إياك أن تقول عن ذات: إنها تشبه ذاته سبحانه، أو صفات تشبه صفاته سبحانه، فإن وجدت صفة لله تعالى يوجد مثلها في البشر فاعلم أنها على مقياس {ليس كمثله شيء} (سورة الشورى 11)، فالحق سبحانه ينهانا أن نضرب له الأمثال، إنما هو سبحانه يضرب الأمثال؛ لأنه حكيم يضرب المثل في محله؛ ليوضح القضية الغامضة بالقضية المشاهدة؛ ولذلك يقول تعالى: {ولله المثل الأعلى} (سورة النحل 60)، أي: الصفة العليا في كل شيء، فإذا وجدت صفات مشتركة بينكم وبين الحق سبحانه، فنزه الله عن الشبيه والنظير والند والمثيل، وقل: (ليس كمثله شيء)، فأنت موجود والله موجود، ولكن وجودك مسبوق بعدم ويلحقه العدم، ووجوده سبحانه لا يسبقه عدم ولا يلحقه العدم.

وقد ضرب الله لنا مثلاً لنفسه سبحانه؛ ليوضح لنا تنويره سبحانه للكون، وليس مثلاً لنوره كما نظن.. بل هو مثل تنويره لا لنوره. يقول تعالى في سورة النور: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم} (سورة النور 35)...

والحق سبحانه وتعالى وإن نهانا نحن أن نضرب له مثلاً لقلة علمنا، فهو سبحانه القادر على ضرب الأمثال، حتى بأقل المخلوقات وأتفهها في نظرنا.. فيقول تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها} (سورة البقرة 26)...

وقوله تعالى: {إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون}، وهذه علة النهي عن ضرب الأمثال؛ لأننا لا نعلم، أما الحق سبحانه وتعالى فيضرب لنا الأمثال؛ لأنه سبحانه يعلم، ويأتي بالمثل في محله.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لقد أكّدنا في بحوثنا السابقة حول صفات اللّه عزَّ وجلّ: أنّ منزلق التشبيه يعتبر من أخطر المنزلقات في طريق معرفة صفاته سبحانه وتعالى، ولا ينبغي مقايسة صفاته سبحانه بصفات العباد؛ لأنّ الباري جلت عظمته وجود مطلق، وكل الموجودات بما فيها الإِنسان محدودة، فهل يمكن تشبيه المطلق بالمحدود؟!... ولعل عبارة: (إِنّ اللّه يعلم وأنتم لا تعلمون)، في ذيل الآية تشير إلى أنّ أغلب الناس في غفلة عن أسرار صفات اللّه...