التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِيّٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ يَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيلٖ} (44)

وبعد هذا الحديث عن المؤمنين وعن صفاتهم الكريمة وعما اعده سبحانه لهم من ثواب ، جاء الحديث عن الظالمين وما أعد لهم من عقاب ، وأمرهم - سبحانه - بالاستجابة لدعوة الحق من قبل أن يأتى يوم الحساب ، الذى لا ينفعهم فيه شفيع أو نصير ، فقال - تعالى - : { وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا . . . فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ } . وقوله تعالى : { وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ . . } أى : ومن يخذله الله تعالى ويبعده عن طريق الهداية بسبب زيغه وإيثاره الغى على الرشد ، فليس لهذا الضال من ناصر ينصره بعد الله - تعالى - .

فالمراد بالضلال هنا : ما هو ضد الهداية والتوفيق للخير . والضمير فى قوله " من بعده " يعود إلى الله - عز وجل - وقيل : يعود للخذلان المهفوم من قوله " يضلل " .

ثم بين - سبحانه - حال الظالمين عندما يعرضون على النار فقال : { وَتَرَى الظالمين لَمَّا رَأَوُاْ العذاب يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } .

أى : وترى - أيها العاقل - الظالمين حين رأوا العذاب المعد لهم يوم القيامة ، تراهم فى نهاية الحسرة والذلة ، ويقولون فى ندامة وانكسار : هل إلى { مَرَدٍّ } أى : مرجع إلى الدنيا من سبيل أو طريق ، فنعمل غير الذى كنا نعمل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِيّٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ يَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيلٖ} (44)

وبعد تقرير صفة المؤمنين الذين يدخر الله لهم عنده ما هو خير وأبقى ، يعرض في الصفحة المقابلة صورة الظالمين الضالين ، وما ينتظرهم من ذل وخسران :

( ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ؛ وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون : هل إلى مرد من سبيل ? وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ، ينظرون من طرف خفي ، وقال الذين آمنوا : إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ؛ ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ، وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ، ومن يضلل الله فما له من سبيل ) . .

إن قضاء الله لا يرد ، ومشيئته لا معقب عليها ( ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ) . . فإذا علم الله من حقيقة العبد أنه مستحق للضلال ، فحقت عليه كلمة الله أن يكون من أهل الضلال ، لم يكن له بعد ذلك من ولي يهديه من ضلاله ، أو ينصره من جزاء الضلال الذي قدره الله . . والذي يعرض منه مشهداً في بقية الآية :

( وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون : هل إلى مرد من سبيل ، وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ، ينظرون من طرف خفي ) . .

والظالمون كانوا طغاة بغاة ، فناسب أن يكون الذل هو مظهرهم البارز في يوم الجزاء . إنهم يرون العذاب ، فتتهاوى كبرياؤهم . ويتساءلون في انكسار : ( هل إلى مرد من سبيل ? )في هذه الصيغة الموحية باليأس مع اللهفة ، والانهيار مع التطلع إلى أي بارقة للخلاص !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِيّٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ يَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيلٖ} (44)

يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة : إنه ما شاء {[25960]} كان ولا راد له ، وما لم يشأ لم يكن فلا موجد له {[25961]} وأنه من هداه فلا مُضِل له ، ومن يضلل{[25962]} فلا هادي له ، كما قال : { وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا } [ الكهف : 17 ]

ثم قال مخبرا عن الظالمين ، وهم المشركون بالله { لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } أي : يوم القيامة يتمنون الرجعة إلى الدنيا ، { يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ } ، كما قال [ تعالى ]{[25963]} { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 27 ، 28 ] .


[25960]:- (1) في ت: "ما شاء الله".
[25961]:- (2) في أ: "فلا مؤاخذة له".
[25962]:- (3) في ت، م: "يضلل الله".
[25963]:- (1) زيادة من ت.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِيّٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ يَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيلٖ} (44)

وقوله تعالى : { ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده } تحقير لأمر الكفرة فلا يبال بهم أحد من المؤمنين ، فقد أضارهم كفرهم وإضلال الله إياهم إلى ما لا فلاح لهم معه . ثم وصف تعالى لنبيه عليه السلام حالهم في القيامة عند رؤيتهم العذاب ، فاجتزأ من صفتهم وصفة حالتهم بأنهم يقولون { هل إلى مرد من سبيل } ، وهذه المقالة تدل على سوء ما أطلعوا عليه ، والمراد موضوع الرد إلى الدنيا ، والمعنى الذي قصدوه أن يكون رد فيكون منهم استدراك للعمل والإيمان . والرؤية في هذه الآية : رؤية عين .