التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (72)

وقوله - سبحانه - : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } يرى جمهور المفسرين أنه كلام معترض بين أجزاء قصة لوط - عليه السلام - مع قومه ، لبيان أن الموعظة لا تجدى مع القوم الغاوين ، ولتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من سفهاء قومه .

فالخطاب فيه للنبى صلى الله عليه وسلم واللام في { لعمرك } لام القسم ، والمقسم به حياته صلى الله عليه وسلم والعمر - بفتح العين - لغة في العمر - بضمها ، ومعناهما : مدة حياة الإِنسان وبقائه في هذه الدنيا ، إلا أنهم ألزموا مفتوح العين في القسم ، وهو مبتدأ وخبره محذوف وجوبا والتقدير لعمرك قسمى أو يمبنى .

والسكرة : ذهاب العقل ، مأخوذة من السكر - بفتح السين وإسكان الكاف - وهو السد والإِغلاق . وأطلقت هنا على الغواية والضلالة لإِزالتهما الرشد والهداية عن عقل الإِنسان و { يعمهون } من العمه بمعنى التحير والتردد فى الأمر . وهو للبصيرة بمنزلة العمى للبصر .

يقال : عمه فلان - كفرح - عمها ، إذا تردد وتحير ، فهو عمه وعامه ، وهم عمهون وعمه - كركع -

والمعنى : بحق حياتك - أيها الرسول الكريم - إن هؤلاء المكذبين لك ، لفى غفلتهم وغوايتهم يترددون ويتحيرون ، شأنهم فى ذلك شأن الضالين من قبلهم كقوم لوط وقوم شعيب وقوم صالح ، وغيرهم من المتكبرين فى الأرض بغير الحق . .

قال الآلوسى : " وقوله { لعمرك } قسم من الله - تعالى - بعمر نبينا صلى الله عليه وسلم على ما عليه جمهور المفسرين . وأخرج البيهقى فى الدلائل ، وأبو نعيم وابن مردويه وغيرهم عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : ما خلق الله - تعالى - وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله - تعالى - أقسم بحياة أحد غيره ، قال - تعالى - : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } وقيل هو قسم من الملائكة بعمر لوط - عليه السلام - ، وهو مع مخالفته للمأثور محتاج لتقدير القول ، أى . قالت الملائكة للوط - عليه السلام - لعمرك . . وهو خلاف الأصل وإن كان سياق القصة شاهداً له وقرينة عليه . . " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (72)

49

وبينما هذا المشهد معروض . القوم في سعارهم المريض يستبشرون ويتلمظون . ولوط يدافعهم ويستثير نخوتهم ، ويستجيش وجدانهم ، ويحرك دواعي الفطرة السليمة فيهم ، وهم في سعارهم مندفعون . .

بينما المشهد البشع معروض على هذا النحو المثير يلتفت السياق خطابا لمن يشهد ذلك المشهد ، على طريقة العرب في كلامهم بالقسم :

( لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) . .

لتصوير حالتهم الأصيلة الدائمة التي لا يرجى معها أن يفيقوا ولا أن يسمعوا هواتف النخوة والتقوى والفطرة السليمة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (72)

هذا كله وهم غافلون عما يراد بهم ، وما قد أحاط بهم من البلاء ، وماذا يُصبحهم من العذاب المستقر ؛ ولهذا قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } أقسم تعالى بحياة نبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، وفي هذا تشريف عظيم ، ومقام رفيع وجاه عريض .

قال عمرو بن مالك النُّكْري{[16206]} عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، أنه قال : ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم ، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره ، قال الله تعالى : {[16207]} { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ يقول : وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا " إنهم لفي سكرتهم يعمهون ]{[16208]} رواه ابن جرير .

وقال قتادة : { فِي سَكْرَتِهِمْ } أي : في ضلالتهم ، { يَعْمَهُونَ } أي : يلعبون .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { لَعَمْرُكَ } لعيشك ، { إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } قال : يتحيرون{[16209]}


[16206]:في ت: "البكري".
[16207]:في أ: "عز وجل".
[16208]:زيادة من ت، أ.
[16209]:في ت، أ: "يتمادون".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (72)

{ لعمرُك } قسم بحياة المخاطب والمخاطب في هذا القسم هو النبي عليه الصلاة والسلام وقيل لوط عليه السلام قالت الملائكة له ذلك ، والتقدير لعمرك قسمي ، وهو لغة في العمر يختص به القسم لإيثار الأخف فيه لأنه كثير الدور على ألسنتهم . { إنهم لفي سكرتهم } لفي غوايتهم أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين خطئهم والصواب الذي يشار به إليهم . { يعمهون } يتحيرون فكيف يسمعون نصحك . وقيل الضمير لقريش والجملة اعتراض .