التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة المستجيبين للحق ، السالكين الطريق المستقيم ، فقال : { فَأَمَّا الذين آمَنُواْ بالله واعتصموا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } .

أى : أن الله - تعالى - قد ارسل إلى الناس رسوله وأنزل عليهم بواسطته قرآنه ، فمنهم من آمن واهتدى ، ومنهم من كفر وغوى ، فأما الذين آمنوا بالله - تعالى - حق الإِيمان ، واعتصموا به - سبحانه - مما يضرهم ويؤذيهم ، فلم يستجيروا إلا به ، ولم يخضعوا إلا له ، ولم يعتمدوا إلا عليه .

هؤلاء الذين فعلوا ذلك سيدخلهم الله - تعالى - فى رحمة منه وفضل أى سيدخلهم فى جنته ورضوانه ، ويضفى عليهم من فضله وإحسانه بما يشرح صدورهم ، ويبهج نفوسهم ، ويصلح بالهم .

وقوله { وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } أى : ويوفقهم فى دنياهم إلى سلوك الطريق الحق وهو طريق الإِسلام ، الذى يفضى بهم فى آخرتهم إلى السعادة والأمان والفوز برضا الله - عز وجل - .

وقد ذكرت الآية ثواب الذين آمنوا بالله واعتصموا به ، ولم تذرك عقاب الذين كفروا إهمالا لهم ، لأنهم فى حيز الطرد والطرح ، أو لأن عاقبتهم السيئة معروفة لكل عاقل بسب كفرهم وسوقهم عن أمر الله .

والسين فى قوله { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ } للتأكيد . أى فسيدخلهم فى رحمة كائنة منه وفى فضل عظيم من عنده إدخالا لا شك فى حصوله ووقوعه .

وقوله { صِرَاطاً } مفعول ثان ليهدى لتضمنه معنى يعرفهم .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد نهت أهل الكتاب عن المغالاة فى شأن عيسى - عليه السلام - ، وعرفتهم حقيقته ، ودعتهم إلى الإِيمان بوحدانية الله ، وبينت لهم ولغيرهم أن عيسى وغيره من الملائكة المقربين لن يستنكفوا عن عبادة الله ، وان من امتنع عن عابدة الله فسيحاسبه - سبحانه - حسابا عسيرا ، ويجازيه بما يستحقه من عقاب . أما من آمن بالله - تعالى - واتبع الحق الذى أنزله على رسله ، فسينال منه - سبحانه - الرحمة الواسعة ، والفضل العظيم ، والسعادة التى ليست بعدها سعادة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

( فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ، ويهديهم إليه صراطا مستقيمًا ) . .

والاعتصام بالله ثمرة ملازمة للإيمان به . . متى صح الإيمان ، ومتى عرفت النفس حقيقة الله وعرفت حقيقة عبودية الكل له . فلا يبقى أمامها إلا أن تعتصم بالله وحده . وهو صاحب السلطان والقدرة وحده . . وهؤلاء يدخلهم الله في رحمة منه وفضل . رحمة في هذه الحياة الدنيا - قبل الحياة الأخرى - وفضل في هذه العاجلة - قبل الفضل في الآجلة - فالإيمان هو الواحة الندية التي تجد فيها الروح الظلال من هاجرة الضلال في تيه الحيرة والقلق والشرود . كما أنه هو القاعدة التي تقوم عليها حياة المجتمع ونظامه ؛ في كرامة وحرية ونظافة واستقامة - كما أسلفنا - حيث يعرف كل إنسان مكانه على حقيقته . عبد لله وسيد مع كل من عداه . . وليس هذا في أي نظام آخر غير نظام الإيمان - كما جاء به الإسلام - هذا النظام الذي يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . حين يوحد الألوهية ؛ ويسوي بين الخلائق جميعا في العبودية . وحيث يجعل السلطان لله وحده والحاكمية لله وحده ؛ فلا يخضع بشر لتشريع بشر مثله ، فيكون عبدا له مهما تحرر !

فالذين آمنوا في رحمة من الله وفضل ، في حياتهم الحاضرة ، وفي حياتهم الآجلة سواء . .

ويهديهم إليه صراطا مستقيمًا . .

وكلمة ( إليه ) . . تخلع على التعبير حركة مصورة . إذ ترسم المؤمنين ويد الله تنقل خطاهم في الطريق إلى الله على استقامة ؛ وتقربهم إليه خطوة خطوة . . وهي عبارة يجد مدلولها في نفسه من يؤمن بالله على بصيرة ، فيعتصم به على ثقة . . حيث يحس في كل لحظة أنه يهتدي ؛ وتتنضح أمامه الطريق ؛ ويقترب فعلا من الله كأنما هو يخطو إليه في طريق مستقيم .

إنه مدلول يذاق . . ولا يعرف حتى يذاق !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

{ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ } أي : جمعوا بين مقامي العبادة والتوكل على الله في جميع أمورهم . وقال ابن جريج : آمنوا بالله واعتصموا بالقرآن . رواه ابن جرير .

{ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ } أي : يرحمهم فيدخلهم الجنة ويزيدهم ثوابا ومضاعفة ورفعا في درجاتهم ، من فضله عليهم وإحسانه إليهم ، { وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } أي : طريقا واضحا قَصْدا قَوَاما لا اعوجاج فيه ولا انحراف . وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة ، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات ، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات . وفي حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " القرآن صراطُ اللهِ المستقيمُ وحبلُ الله المتين " . وقد تقدم الحديث بتمامه في أول التفسير ولله الحمد والمنة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مّسْتَقِيماً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : فأما الذين صدّقوا بالله ، وأقرّوا بوحدانيته ، وما بعث به محمدا صلى الله عليه وسلم من أهل الملل وَاعْتَصَمُوا بِهِ يقول : وتمسكوا بالنور المبين الذي أنزل إلى نبيه كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج وَاعْتَصَمُوا بِهِ قال : بالقرآن .

فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ يقول : فسوف تنالهم رحمته التي تنجيهم من عقابه وتوجب لهم ثوابه ورحمته وجنته ، ويلحقهم من فضله ما ألحق أهل الإيمان به والتصديق برسله . وَيهْدِيهِمْ إلَيْهِ صِرَاطا مُسْتَقِيما يقول : ويوفقهم لإصابة فضله الذي تفضل به على أوليائه ، ويسدّدهم لسلوك منهج من أنعم عليه من أهل طاعته ، ولاقتفاء آثارهم ، واتباع دينهم . وذلك هو الصراط المستقيم ، وهو دين الله الذي ارتضاه لعباده ، وهو الإسلام . ونصب الصراط المستقيم على القطع من الهاء التي في قوله «إليه » .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (175)

( أمّا ) في قوله : { فأما الذين آمنوا بالله } يجوز أن يكون للتفصيل : تفصيلاً لِمَا دَلّ عليه { يا أيها الناس } من اختلاف الفرق والنزعات : بين قابل للبرهان والنّور ، ومكابر جاحد ، ويكون مُعادل هذا الشقّ محذوفاً للتهويل ، أي : وأمَّا الذين كفروا فلا تسل عنهم ، ويجوز أن يكون ( أمّا ) لمجرد الشرط دون تفصيل ، وهو شرط لِعموم الأحوال ، لأنّ ( أمّا ) في الشرط بمعنى ( مَهما يكُنْ من شيء ) وفي هذه الحالة لا تفيد التفصيل ولا تطلب معادلاً .

والاعتصام : اللوْذ ، والاعتصام بالله استعارة لللوذ بدينه ، وتقدّم في قوله { واعتصموا بحبل الله جميعاً } في سورة آل عمران ( 103 ) . والإدخال في الرحمة والفضل عبارة عن الرضى .

وقوله : ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً } : تعلَّق الجار والمجرور ب ( يهدي ) فهو ظرف لَغو ، و { صراطاً } مفعول ( يهدي ) ، والمعنى يهديهم صراطاً مستقيماً ليصلوا إليه ، أي إلى الله ، وذلك هو متمنّاهم ، إذ قد علموا أنّ وعدهم عنده .