التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (19)

وقوله - تعالى - { والطير مَحْشُورَةً . . . } معطوف على الجبال وكلمة محشورة : بمعنى مجموعة . وهى حال من الطير . والعامل قوله { سخرنا } .

أى : إنا سخرنا الجبال لتسبح مع داود عند تسبيحه لنا ، كما سخرنا الطير وجمعناها لتردد معه التسبيح والتقديس لنا .

والتعبير بقوله { مَحْشُورَةً } يشير إلى أن الطير قد حبست وجمعت لغرض التسبيح معه ، حتى لكأنها تحلق فوقه ولا تكاد تفارقه من شدة حرصها على تسبيح الله - تعالى - وتقديسه .

وجملة { كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } : مقررة لمضمون ما قبلها من تسبيح الجبال والطير . واللام فى " له " للتعليلي ، والضمير يعود إلى داود - عليه السلام - . أى : كل من الجبال والطير . من أجل تسبيح داود ، كان كثير الرجوع إلى التسبيح . ويصح أن يكون الضمير يعود إلى الله - تعالى - فيكون المعنى : كل من داود والجبال والطير ، كان كثير التسبيح والتقديس والرجوع إلى الله - تعالى - بما يرضيه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (19)

17

ومع النبوة والملك آتاه الله من فضله قلباً ذاكراً وصوتاً رخيماً ، يرجع به تراتيله التي يمجد فيها ربه . وبلغ من قوة استغراقه في الذكر ، ومن حسن حظه في الترتيل ، أن تزول الحواجز بين كيانه وكيان هذا الكون . وتتصل حقيقته بحقيقة الجبال والطير في صلتها كلها ببارئها ، وتمجيدها له وعبادتها . فإذا الجبال تسبح معه ، وإذا الطير مجموعة عليه ، تسبح معه لمولاها ومولاه :

( إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق . والطير محشورة كل له أواب ) . .

ولقد يقف الناس مدهوشين أمام هذا النبأ . . الجبال الجامدة تسبح مع داود بالعشي والإشراق ، حينما يخلو إلى ربه ، يرتل ترانيمه في تمجيده وذكره . والطير تتجمع على نغماته لتسمع له وترجع معه أناشيده . . لقد يقف الناس مدهوشين للنبأ إذ يخالف مألوفهم ، ويخالف ما اعتادوا أن يحسوه من العزلة بين جنس الإنسان ، وجنس الطير ، وجنس الجبال !

ولكن فيم الدهش ? وفيم العجب ? إن لهذه الخلائق كلها حقيقة واحدة . وراء تميز الأجناس والأشكال والصفات والسمات . . حقيقة واحدة يجتمعون فيها ببارىء الوجود كله : أحيائه وأشيائه جميعاً . وحين تصل صلة الإنسان بربه إلى درجة الخلوص والإشراق والصفاء ، فإن تلك الحواجز تنزاح ؛ وتنساح الحقيقة المجردة لكل منهم . فتتصل من وراء حواجز الجنس والشكل والصفة والسمة التي تميزهم وتعزلهم في مألوف الحياة !

وقد وهب الله عبده داود هذه الخاصية ؛ وسخر الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق . وحشر عليه الطير ترجع مع ترانيمه تسبيحاً لله . وكانت هذه هبة فوق الملك والسلطان ، مع النبوة والاستخلاص .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (19)

{ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً }أي : محبوسة في الهواء ، { كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ } أي : مطيع يسبح تبعا له . قال سعيد بن جبير وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد : { كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ } أي : مطيع .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (19)

وقوله : ( والطّيْرَ مَحْشُورَةً ) : يقول تعالى ذكره : وسخرنا الطير يسبحن معه محشورة بمعنى : مجموعة له ذُكر أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سبح أجابته الجبال ، واجتمعت إليه الطير ، فسبحت معه واجتماعها إليه كان حشرها . وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في معنى الحشر فيما مضى ، فكرهنا إعادته . وكان قتادة يقول في ذلك في هذا الموضع كما حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( والطّيْرَ مَحْشُورَةً ) : مسخّرة .

وقوله : ( كُلّ لَهُ أوّابٌ ) : يقول : كل ذلك له مطيع رجّاع إلى طاعته وأمره . ويعني بالكلّ : كلّ الطير . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( كُلّ لَهُ أوّابٌ ) : أي مطيع .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( والطّيْرَ مَحْشُورَةً كُلّ لَهُ أوّابٌ )قال : كلّ له مطيع .

وقال آخرون : معنى ذلك : كل ذلك لله مسبّح . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( والطّيْر مَحْشُورَةً كُلّ لَهُ أوّابٌ ) : يقول : مسبّح لله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (19)

{ والطير محشورة } إليه من كل جانب ، وإنما لم يراع المطابقة بين الحالين لأن الحشر جملة أدل على القدرة منه مدرجا ، وقرئ " والطير محشورة " بالمبتدأ والخبر ، { كل له أواب } كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع إلى التسبيح ، والفرق بينه وبين ما قبله أنه يدل على الموافقة في التسبيح وهذا على المداومة عليها ، أو كل منهما ومن داود عليه الصلاة والسلام مرجع لله التسبيح .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (19)

المحشورة : المجتمعة حوله عند قراءته الزبور . وانتصب { مَحْشُورَةً } على الحال من { الطير . ولم يؤت في صفة الطير بالحشر بالمضارع كما جيء به في يُسبِحْنَ } إذ الحشر يكون دفعة فلا يقتضي المقام دلالة على تجدد ولا على استحضار الصورة .

وتنوين { كُلٌّ له أوَّابٌ } عوض عن المضاف إليه . والتقدير : كل المحشورة له أواب ، أي كثير الرجوع إليه ، أي يأتيه من مكان بعيد . وهذه معجزة له لأن شأن الطير النفور من الإِنس . وكلمة { كل } على أصل معناها من الشمول . و { أوَّابٌ } هذا غير { أوَّابٌ } في قوله : { إنه أوّاب } فلم تتكرر الفاصلة . واللام في { لَهُ أوَّابٌ } لام التقوية ، وتقديم المجرور على متعلقه للاهتمام بالضمير المجرور .