اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (19)

قوله : { والطير مَحْشُورَةً } العامة على نصبها عَطَفَ مفعولاً على مفعول ، وحالاً على حال كقولك : ضربت زيداً مكتوفاً وعمراً مطلقاً ، وأتى بالحال اسماً لأنه لم يقصد أن الفعل وقع شيئاً فشيئاً لأن حشرها دفعة واحدة أدلُّ على القدرة والحاشر الله تعالى . وقرأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ والجَحْدري برفعهما جعلاها مستقلة من مبتدأ وخبر .

والمعنى وسخرنا الطير محشورةً ، قال ابن عباس : كان داود إذا سبح جاءته الجبال واجتمعت إليه الطير فسبحت معه واجتماعها إليه هو حشرها فيكون على هذا التقدير حاشرها هو الله تعالى .

فإن قيل : كيف يصدر تسبيح الله عن الطير مع أنه لا عقل لها ؟ فالجواب : أنه لا يبعد أن يخلق الله تعالى لها عقولاً حتى تعرف الله فتسبحه حينئذ ويكون ذلك معجزة لداودَ قال الزمخشري قوله : { مَحْشُورَةً } في مقابلة : «يسبحن » إلا أنه ليس في الحشر ما كان في التسبيح من إرادة الدلالة على الحدوث شيئاً بعد شيء فلا جَرَمَ أتى به اسماً لا فعلاً ، وذلك أنه لو قيل : وسخرنا الطير ( محشورة ) ( يحشرن ) على تقدير أن الحشر يوجد من حاشرها شيئاً بعد شيء والحاشر هو الله عزّ وجلّ لكان خلفاً لأنه تعالى حشرهم جملةً واحدة .

قوله : { كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } أي كل من الجبال والطير لداود أي لأجل تسبيحه ، فوضع أواب موضع مسبَح . وقيل : إنَّ الضمير في : «لَهُ » للباري تعالى ، والمراد كل من داود والجبال والطير مسبح ورجاع لله تعالى .