ولما أخبر سبحانه عن تسخير أثقل الأشياء وأثبتها له ، أتبعها أخفها وأكثرها انتقالاً ، وعبر فيها بالاسم الدال على الاجتماع جملة والثبات لأنه أدل على القدرة فقال معبراً باسم الجمع دون الجمع إشارة إلى أنها في شدة الاجتماع كأنها شي واحد ، ذكر حالها في وصف صالح للواحد ، وجعله مؤنثاً إشارة إلى ما تقدم من الرخاوة اللازمة للإناث المقتضية لغاية الطواعية والقبول لتصرف الأحكام : { والطير } أي سخرناها له حال كونها { محشورة } أي مجموعة إليه كرهاً من كل جانب دفعة واحدة - بما دل التعبير بالاسم دون الفعل وهو أدل على القدرة وهي أشد نفرة من قومك وأعسر ضبطاً وهذا كما كان الحصى يسبح في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي يد بعض أصحابه ، وكما تحرك الجبل فضربه برجله وقال : " اسكن أحد " فسكن ، وكما حشر الدبر على رأس عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح رضي الله عنه فمنع من أخذه ليتلعب به ، فلما جاء الليل أرسل الله سيلاً فاحتمله إلى حيث لم يعرف له خبر ولا وقف له على أثر { كل } أي كل واحد من الجبال والطير { له أواب * } أي رجاع لأجل داود عليه السلام خاصة عن مألوفه لا بمعنى آخر مما ألفته ، فكلما رجع هو عن حكمه وما هو فيه من الشغل بالخلق إلى تسبيح الحق رجعت معه بذلك الجبال والطير ، وجعل الخبر مفرداً إشارة إلى أنها في الطواعية في التأديب قد بلغت حتى كأنها الشيء الواحد ، ولم يجعل مؤنثا إشارة إلى شدة زجلها بالتأديب وعظمته ، والإفراد أيضاً يفيد الحكم على كل فرد ، ولو جمع لطرقه احتمال أن الحكم على المجموع يقيد الجمع ، فكأن داود عليه السلام يفهم تسبيح الجبال والطير ، وينقاد له كل منهما إذا أمره بالتسبيح ، وكل من تحقق بحاله ساعده كل شيء - قاله القشيري ، ففي هذا إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنا متى شئنا جعلنا قومك معك في التسخير هكذا ، فلا تيأس منهم على شدة نفرتهم وقوة سماجتهم وغرتهم ، فإنا جعلناهم كذلك لتروض نفسك بهم وتزداد بالصبر عليهم جلالاً ، وعلواً ورفعة وكمالاً - إلى غير ذلك من الحكم التي لا تسعها العقول ، ولا تيأس من لينهم لك ورجوعهم إليك فإنهم لا يعدون أن يكونوا كالجبال قوة وصلابة ، أو الطير نفرة وطيشاً وخفة ، فمتى شئنا جعلناهم لك مثل ما جعلنا الجبال والطير مع داود عليه السلام ، بل أمرهم أيسر وشأنهم أهون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.