التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَٱلطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (19)

كل له أوّاب : كل مسبّح معه منقاد ومطيع له .

وأولوا جملة { أوبي معه } بمعنى سبحي معه أو رجعي تسبيحه ، وبعضهم زاد فقال : إن الله خلق فيها حياة ونطقا ومما قاله الطبري كان إذا سبح أجابته الجبال واجتمعت إليه الطير . ومما قاله ابن كثير : إن الله منح داود عليه السلام صوتا عظيما ، فكان يسبح به عند شروق الشمس وغروبها فتسبح معه الجبال الراسيات وتقف له الطيور السارحات الغاديات الرائحات وتجاوبه مسبحة معه بأنواع اللغات ، ومما قاله القاسمي : إنه كان لصوت داود الحسن دويّ في الجبال وحنين من الطيور إليه وترجيع ، ومع ما في كلام المفسرين من وجاهة فإن ظاهر الآيات يدل على أن ذلك امتياز خص الله سبحانه به داود عليه السلام .

ومن الجدير بالذكر أن تسبيح الجبال والطير مع داود وتسخيرهما لم يرد في أسفار العهد القديم المتداولة اليوم التي روت سيرة داود بشيء من الإسهاب على ما ذكرناه قبل . وهذا لا ينفي أن يكون ذلك واردا في أسفار وقراطيس كان اليهود يتداولونها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم فقدت . ولقد كان القرآن يتلى علنا ويسمعه أهل الكتاب ولا يمكن أن يكون ذلك جزافا . وفي كتب التفسير بيانات مروية عن علماء الصدر الإسلامي الأول تدور في نطاق ما جاء في الآيات ؛ حيث يمكن أن يدل هذا على أن ما جاء في القرآن كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس لذلك مصدر إلا الكتابيون وأسفارهم .

ولقد جاء في سيرة داود في سفر الملوك الأول المسمى في النسخة البروتستانتية بصموئيل الأول من الأسفار المتداولة اليوم : أن داود كان يحسن الضرب على الكنارة كما وصف داود في بعض المزامير المنسوبة إليه وهو المزمور بإمام الغناء عبد الرب داود ، مما يمكن أن يستأنس به على ذلك .

والمتبادر أن الهدف الذي استهدفه القرآن من ذكر ذلك هو تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته على ما ذكرناه في مطلع الكلام .