مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (19)

الصفة السادسة : من صفات داود عليه السلام قوله تعالى : { والطير محشورة كل له أواب } وفيه مباحث :

البحث الأول : قوله : { والطير } معطوفة على الجبال والتقدير وسخرنا الطير محشورة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما كان داود إذا سبح جاوبته الجبال واجتمعت إليه الطير فسبحت معه ، واجتماعها إليه هو حشرها فيكون على هذا التقدير حاشرها هو الله { فإن قيل } كيف يصدر تسبيح الله عن الطير مع أنه لا عقل لها ، قلنا لا يبعد أن يقال إن الله تعالى كان يخلق لها عقلا حتى تعرف الله فتسبحه حينئذ ، وكل ذلك كان معجزة لداود عليه السلام .

البحث الثاني : قال صاحب «الكشاف » قوله : { محشورة } في مقابلة { يسبحن } إلا أنه ليس في الحشر مثل ما كان في التسبيح من إرادة الدلالة على الحدوث شيئا بعد شيء ، فلا جرم جيء به اسما لا فعلا ، وذلك أنه لو قيل وسخرنا الطير محشورة يسبحن على تقدير أن الحشر وجد من حاشرها جملة واحدة دل على القدر المذكور ، والله أعلم .

البحث الثالث : قرئ { والطير محشورة } بالرفع .

الصفة السابعة : من صفات داود عليه السلام ، قوله تعالى : { كل له أواب } ومعناه كل واحد من الجبال والطير أواب أي رجاع ، أي كلما رجع داود إلى التسبيح جاوبته ، فهذه الأشياء أيضا كانت ترجع إلى تسبيحاتها ، والفرق بين هذه الصفة وبين ما قبلها أن فيما سبق علمنا أن الجبال والطير سبحت مع تسبيح داود عليه السلام ، وبهذا اللفظ فهمنا دوام تلك الموافقة وقيل الضمير في قوله : { كل له أواب } لله تعالى أي كل من داود والجبال والطير لله أواب أي مسبح مرجع للتسبيح .