التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ} (105)

ثم بين - سبحانه - أن هؤلاء المشركين تطالعهم الدلائل والبراهين الدالة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، ولكنهم في عمى عنها فقال : { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } .

و { كأين } كلمة مركبة من كاف التشبيه وأى الاستفهامية المنونة ، ثم تنوسى معنى جزيئيتها وصارت كلمة واحدة بمعننى كم الخبرية المفيدة للتكثير .

والمراد بالآية هنا : العبرة والعظمة الدالة على وحدانية الله وقدرته يمر بها هؤلاء المشركون فلا يلتفتون إليها ، ولا يتفكرون فيها ، ولا يعتبرون بها ، لأن بصائرهم قد انطمست بسبب استحواذ الأهواء والشهوات والعناد عليها .

قال ابن كثير ما ملخصه : يخبر - تعالى - في هذه الآية عن غفلة أكثر الناس عن التفكير في آيات الله ودلائل توحيده ، بما خلقه - سبحانه - في السموات من كواكب زاهرات ، وسيارات وأفلاك . . . . وفى الأرض من حدائق وجنات ، وجبال راسيات ، وبحار زاخرات ، وحيوانات ونبات . . . فسبحان الواحد الأحد ، خالق أنواع المخلوقات ، المنفرد بالدوام والبقاء والصمدية .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ} (105)

( وكأي من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ) .

والآيات الدالة على الله ووحدانيته وقدرته كثيرة مبثوثة في تضاعيف الكون ، معروضة للأبصار والبصائر . في السماوات وفي الأرض . يمرون عليها صباح مساء ، آناء الليل وأطراف النهار . وهي ناطقة تكاد تدعو الناس إليها . بارزة تواجه العيون والمشاعر . موحية تخايل للقلوب والعقول . ولكنهم لا يرونها ولا يسمعون دعاءها ولا يحسون إيقاعها العميق .

وإن لحظة تأمل في مطلع الشمس ومغيبها . لحظة تأمل في الظل الممدود ينقص بلطف أو يزيد . لحظة تأمل في الخضم الزاخر ، والعين الفوارة ، والنبع الروي . لحظة تأمل في النبتة النامية ، والبرعم الناعم ، والزهرة المتفتحة ، والحصيد الهشيم . لحظة تأمل في الطائر السابح في الفضاء ، والسمك السابح في الماء ، والدود السارب والنمل الدائب ، وسائر الحشود والأمم من الحيوان والحشرات والهوام . . لحظة تأمل في صبح أو مساء ، في هدأة الليل أو في زحمة النهار . . لحظة واحدة يتسمع فيها القلب البشري إلى إيقاعات هذا الوجود العجيب . . إن لحظة واحدة لكافية لارتعاش هذا القلب بقشعريرة الإدراك الرهيب ، والتأثر المستجيب . ولكنهم ( يمرون عليها وهم عنها معرضون ) لذلك لا يؤمن الأكثرون !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ} (105)

يخبر تعالى عن [ غفلة ]{[15345]} أكثر الناس عن التفكر في آيات الله ودلائل توحيده ، بما خلقه الله في السموات والأرض من كواكب زاهرات ثوابت ، وسيارات وأفلاك دائرات ، والجميع مسخرات ، وكم في الأرض من قطع متجاورات وحدائق وجنات وجبال راسيات ، وبحار زاخرات ، وأمواج متلاطمات ، وقفار شاسعات ، وكم من أحياء وأموات ، وحيوان ونبات ، وثمرات متشابهة ومختلفات ، في الطعوم والروائح والألوان والصفات ، فسبحان الواحد الأحد ، خالق أنواع المخلوقات ، المتفرد بالدوام والبقاء والصمدية ذي الأسماء والصفات .


[15345]:- زيادة من ت ، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ} (105)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَأَيّن مّن آيَةٍ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } .

يقول جلّ وعزّ : وكم من آية في السموات والأرض لله ، وعبرة وحجة ، وذلك كالشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك من آيات السموات وكالجبال والبحار والنبات والأشجار ، وغير ذلك من آيات الأرض يَمُرّونَ عَلَيْها يقول : يعاينونها فيمرّون بها معرضين عنها لا يعتبرون بها ولا يفكرون فيها وفيما دلت عليه من توحيد ربها ، وأن الأولوهة لا تبتغي إلا للواحد القهار الذي خلقها وخلق كلّ شيء فدبرها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وكأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ يَمُرّونَ عَلَيْها وهي في مصحف عبد الله : «يمشون عليها » السماء والأرض آيتان عظيمتان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ} (105)

{ وكأين من آية } وكم من آية . والمعنى وكأي عدد شئت من الدلائل الدالة على وجود الصانع وحكمته وكمال قدرته وتوحيده . { في السماوات والأرض يمرّون عليها } على الآيات ويشاهدونها . { وهم عنها معرضون } لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها . وقرئ { والأرض } بالرفع على أنه مبتدأ خبره { يمرون } فيكون لها الضمير في { عليها } وبالنصب على ويطؤون الأرض . وقرئ و " الأرض يمشون عليها " أي يترددون فيها فيرون آثار الأمم الهالكة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ} (105)

وقرأت الجماعة «وكأيّن » بهمز الألف وشد الياء ، قال سيبويه : هي كاف التشبيه اتصلت بأي ، ومعناها معنى كم في التكثير . وقرأ ابن كثير «وكائن » بمد الألف وهمز الياء ، وهو من اسم الفاعل من كان ، فهو كائن ولكن معناه معنى كم أيضاً{[6850]} . وقد تقدم استعاب القراءات في هذه الكلمة في قوله : { وكأين من نبي قتل }{[6851]} [ آل عمران : 146 ] .

وال { الآية } هنا : المخلوقات المنصوبة للاعتبار والحوادث الدالة على الله سبحانه في مصنوعاته ، ومعنى { يمرون عليها } الآية - أي إذا جاء منها ما يحس أو يعلم في الجملة لم يتعظ الكافر به ، ولا تأمله ولا أعتبر به بحسب شهواته وعمهه{[6852]} ، فهو لذلك كالمعرض ، ونحو هذا المعنى قول الشاعر : [ الطويل ]

تمر الصبا صفحاً بساكن ذي الغضا*** ويصدع قلبي أن يهب هبوبها{[6853]}

وقرأ السدي «والأرضَ » بالنصب بإضمار فعل ، والوقف - على هذا - في { السماوات } وقرأ عكرمة وعمرو بن فائد «والأرضُ » بالرفع على الابتداء ، والخبر قوله : { يمرون } وعلى القراءة بخفض «الأرضِ » ف { يمرون } نعت الآية . وفي مصحف عبد الله : «والأرض يمشون عليها » .


[6850]:قال أبو حيان: "وهذا شيء يروى عن يونس، وهو قول مرجوح في النحو"، ثم ذكر أن المشهور عندهم هو رأي سيبويه.
[6851]:من الآية (146) من سورة (آل عمران).
[6852]:العمه: التحير والتردد بحيث لا يدري أين يتوجه، وهو في البصيرة كالأعمى في البصر.
[6853]:الصبا: ريح معروفة تقابل الدبور، قال في الصحاح: "مهبها المستوى أن تهب في موضع مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار". وفي اللسان: "لقيه صفاحا أي استقبله بصفح وجهه"، وصفح الوجه وصفحه: عرضه، فكأنه يصف الصبا بأنها تمر على صفحة وجهه دون أن تؤثر فيه، لكنها تشق قلبه شقا لأنها تذكره الأحبة، والشاهد في البيت أن المرور يكون بدون أثر، ولا تترتب عليه نتيجة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ} (105)

عطف على جملة { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } [ يوسف : 103 ] ، أي ليس إعراضهم عن آية حصول العلم للأمّي بما في الكتب السالفة فحسب بل هم معرضون عن آيات كثيرة في السماوات والأرض .

و { كأين } اسم يدل على كثرة العدد المبهم يبينه تمييز مجرور ب { من } . وقد تقدم عند قوله تعالى : { وكأين من نبيء قاتل معه ربيون كثير } في سورة آل عمران ( 146 ) .

والآية : العلامة ، والمراد هنا الدالةُ على وحدانية الله تعالى بقرينة ذكر الإشراك بعدها .

ومعنى { يمرون عليها } يرونها ، والمرور مجاز مكنّى به عن التحقق والمشاهدة إذ لا يصح حمل المرور على المعنى الحقيقي بالنسبة لآيات السماوات ، فالمرور هنا كالذي في قوله تعالى : { وإذا مروا باللغو مروُّا كراماً } [ الفرقان : 72 ] .

وضمير { يمرون } عائد إلى الناس من قوله تعالى : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } .