اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ} (105)

ثم قال : " وَكَأيِّنْ " : وكم ، " من آيةٍ " : عبرة ودلالة ، { فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا } : لا يتفكرون فيها ولا يتعبرون .

واعلم : أن دلائل التَّوحيد ، والعلم ، والقدرة ، والحكمة والرحمة لا بد وأن تكون من أمور محسوسة ، وهي : إما الأجرام الفلكيَّة ، وإما الأجرام العنصرية .

أما الأجرام الفلكيَّة فهي قسمان : إما الأفلاك ، وإما الكواكب .

فأما الأفلاك فقد يستدل بمقاديرها المعينة على وجود الصَّانع ، وقد يستدل بكون بعضها فوق بعضه أو تحته ، وقد يستدلُّ بحركتها ، إمَّا بسرعة حركتها ، وإمَّا باختلاف جهة تلك الحركات .

وأمَّا الأجرام الكوكبيَّة ، فتارة تدلُّ على وجود الصَّانع بمقاديرها ، وأجرامها ، وحركاتها في سرعتها وبطئها ، وتارة بألوانها وأضوائها ، وتارة بتأثيراتها في حصول الأضواء والظلال .

وأما دلائل الأجرام العنصرية : فإمَّا أن تكون مأخوذة من بسائطها ، وهو البر والبحر ، وإما مأخوذ من [ المواليد ] ، وهي أقسام :

أحدها : العلويِّة كالرعد ، والبرق ، والسَّحاب ، والمطر ، والثلج ، والهواء ، وقوس قُزَح .

وثانيها : المعادن على اختلاف طابعئها وصفاتها ، وكيفياتها .

وثالثها : النَّبات وخاصيَّة الخشب والورق بخصوصه .

ورابعها : اختلاف حال الحيوانات في أشكالها ، وطبائعها ، وأصواتها ، وخلقها .

وخامسها : تشريح أبدان الناس ، وتشريح القوى الإنسانية ، وبيان المنافع الحاصلة منها ، ومن هذا الباب أيضاً قصص الأولين والملوك الذين استولوا على الأرض ، وقهروا العباد ، وخربوا البلاد . ماتوا ولم يبق لهم في الدنيا خبر ، ثم بقي الوزرُ والعقاب عليهم ، قال ابن الخطيب : فلهذا ضبط أنواع هذه الدَّلائل .

فصل

الجمهور على جر الأرض عطفاً على السموات ، والضمير في " عَلَيْهَا " للآية ، فيكون " يمُرُّون " صفة للآية ، وحالاً لتخصُّصها بالوصف بالجر .

وقيل : يعود الضمير في " عَليْهَا " للأرض فيكون " يمُرُّون عليها " حالاً منها .

وقال أبو البقاء : وقيل : منها ومن السَّموات ، أي : يكون الحال من الشيئين جميعاً ، وهذا لا يجوز ؛ إذا كان يجب أن يقال : عليهما ، وأيضاً : فإنهم لا يمرُّون في السَّماوات إلا أن يراد : يمرّون على آياتها ، فيعود المعنى على عود الضمير للآية ، وقد يجاب عن الأول بأنه من باب الحذف ؛ كقوله تعالى : { والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] .

وقرأ السديُّ : " والأرْضَ " بالنَّصب ، ووجهه أنه من باب الاشتغال ، ويفسَّر الفعل بما يوافقه معنى ، أي : يطوفون الأرض ، أو يسلكون الأرض .

" يمُرُّون علَيْهَا " كقولك : زَيْداً مررتُ بِهِ ، وقرأ عكرمة ، وعهمرو بن فايد : " والأرْضُ " على الابتداء ، وخبره الجملة بعده ، والضمير في هاتين القراءتين يعود على الأرض فقط .